الجمعة، 8 يوليو 2016

هل يكتب النقاد أن أبدايك كان سوطا مسلطا على حراك أميركا الحضرية الوسيطة؟



ترجمة: علاء الدين أبو زينة
نشرت في 30 يناير 2009
قبل بضع سنوات، وفيما بدأت الولايات المتحدة الاحتفاء بأوائل الراحلين من الأبطال الذين كسبوا الحرب العالمية الثانية، انكب المعلقون على الحديث عن "الجيل العظيم" الذي أنجز الكثير، والذي لا يمكن تعويضه.
ما انطبق على القوات العسكرية، ظل ينطبق بدوره على معارك "الرواية" الأكثر هدوءاً. فخلال سنوات الحروب الداخلية، على أي من جانبي صراع عام 1930، ولدت مجموعة من الروائيين الذين كانوا يرسمون معالم التاريخ المعلن والسري لأميركا بمهارة، وحساسية وإصرار، والذين ليس لهم نظائر كثيرة في الأدب الحديث. من تلك الفئة البارزة التي لا تدانى، كان كل من شاؤول بيلو، نورمان ميلر قد غادروا المشهد.
والآن، غادر جون أبدايك، الذي سبقهم في السنوات، إن لم يكن في الموهبة أيضاً. وخلال الأشهر الثماني عشرة الماضية، لم ينشر أبدايك رواية جديدة فحسب (أرامل إيستويك، التي جاءت تتمة لواحد من أكثر أعماله شهرة)، وإنما نشر أيضاً مجلداً يضم مقالات نقدية.
لقد تمتع ذلك "الجيل العظيم" من الروائيين بأخلاقيات عمل تستحق الافتخار، والتي جعلت الأدب الأوروبي يبدو خجولاً أمامها. وحتى في الوقت الذي كان فيه أولئك الكتاب يحدقون بعيون لا تطرف في عثرات مجتمعاتهم أنفسها، كان جون أبدايك ومعاصروه يعملون بروح أميركية صرفة. لم يكونوا أبداً متبطلين، وإنما انكبوا على العمل بحماس، وأنجزوا المهمة.
خلال الأيام والأسابيع القادمة، سيكتب الكثيرون من النقاد عن أبداك كمنتقد مر لأميركا الحضرية الوسيطة. وقد كان نثره الدقيق والمضفور بعناية يجمع معاً مظاهر نفاقها الجنسي، ومواطن غموضها الفكري، وتحولاتها المحلية من حقبة آيزنهاور وحتى حقبة أوباما (تقريباً).
لكن هذا المحترف الذي لم يكل، المنحدر من سلالة المستوطن الهولنديين القديمة، كان يعرف ويحس بتفاصيل عالم الطموح والقلق الذي وصفه بكل هذه الخبرة. وتجد رواياته مثل "أزواج" وثلاثيته الرائعة "رابيت أنغستروم" وهي تستبطن وتستشرف شخصياتها، وأماكنهم، من الداخل والخارج. وعلى أن السخرية والنقد شكلا جزءاً من غايات أبدايك، إلا أن تأريخه لداخل الحياة الأميركية لما بعد الحرب ظل يحفل أيضاً بتلك البهجة الهائلة التي تصنعها المشاهدة الدقيقة. وتجده دائماً نصف عاشق لضحايا قلمه النفاذ.
لما تفارق الشمولية والتنوع والفضيلة أبداً جون أبدايك. وكما يعرف، حتى الذين لا يقرؤون، فقد كتب بثقة أكروباتية عن الجنس - لكنه كتب عندئذ أيضاً عن الفن، وعن التجارة، وعن الأزياء والشؤون الداخلية. وفي أواخر حياته المهنية، اختار أن يمد جناحيه. وقد شهدته روايات مثل "برازيل" و"الإرهابي" وهو يشن غارات جريئة على سياقات وموضوعات تتخطى مواضيع البغاء والغضب وتجتاز سياجاتها. وقد كانت بعض من هذه التجارب بعيدة الشأو في القص أكثر جدوى من أخريات. لكنها كلها وقفت شاهدة على تطلعات كاتب لم يكن قانعاً أبداً بتناول حزمة واحدة من الشؤون المحلية.
عندما ينتج الروائيون بغزارة (وفي حالة أبدايك، ثمة مجموعة من القطع البليغة تعتلي قمة كومة من النتاج القصصي)، يكون حكم الأجيال التالية قاسياً على نحو غير عادل. إذ يميل الدارسون إلى التقاط الروائع التي تجل عن الجدل (وسوف تبقى روايات ’رابيت‘ ما ظلت الثقافة الأميركية حية)، بينما يهملون في الوقت نفسه بقية أعمال الكاتب ونتاجاتها متوسطة الجودة.
لكن أبدايك، مثل الأمة التي تغير مثلها وطبائعها، والتي كتب حكايتها بكل روعة، ظل يجهد من أجل الإنتاجية في حد ذاتها. لقد وسمت الكثرة والسخاء موهبته، على النحو الذي تسم به أفضل الجوهر من بلده نفسه. من دون أبدايك، تبدو أميركا نفسها وقد أصبحت أصغر قليلاً.
(بويد تونكين - الإندبندنت)


ــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: الغد ، 30 يناير 2009م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق