الجمعة، 15 يوليو 2016

ســام هـامـيـل.. الشاعر الأمريكي الذي وقف ضدّ الحرب ومفاسد العصر !

تقديم وترجمة: الحبيب الواعي

تاريخ النشر: 16 نوفمبر 2013


بدأت علاقتي مع الشاعر الأمريكي المرموق سام هاميل قبل رحلتي إلى الولايات المتحدة الأمريكية صيف 2013 عندما توصلت بنسخة من ديوان ترجمته صديقتي الشاعرة الإيطالية الأمريكية بينا بيكولو، والذي خصصته لشعراء الثورة في القرن العشرين. ونزولاً عند رغبة الشاعر الأمريكي بول نلسن الذي استدعاني لقراءة أشعاري وإلقاء محاضرة حول أدب جيل الإيقاع (أو الجيل المهزوم كما يحلو للبعض أن يسميه) بمدينة سياتل بولاية واشنطن خلال شهر غشت 2013، ونظرا لأنني سأكون بالمدينة لمدة أطول مما اعتقدت، فقد طلبت من صديقي الشاعر بول نلسن- الذي تربطه علاقة وثيقة بسام هاميل إذ استدعاه لمقابلة على راديو سبلاب عام 2012- أن يأخذني إلى مدينة أناكورتس لأزور سام هاميل، الأمر الذي قبله بول نلسن على الرحب و السعة. أسعدني كثيرا خبر دعوة الشاعر الأمريكي الكبير سام هاميل لي للعشاء يوم 12غشت 2013 بمطعم ساكورا ببورلينكتن، فنادراً ما تتاح الفرصة للالتقاء بشاعر من هذا الطراز، لاسيما أنه يقطن بمدينة يصعب الوصول إليها باتجاه الحدود مع كندا.

لوجبة العشاء مع سام هاميل طقوسها الخاصة خاصة عندما يتعلق الأمر بطابقه المفضل ‘سوشي’، وكانت ترافقه بالطبع منادمة إستيطيقية لشراب الساكي بجميع إيحاءاته الشعرية التي تتجلى في الطريقة البوذية. لن أتحدث عن طقوس تناول طابق السوشي أو تناول شراب الساكي مع سام هاميل في هذه المناسبة، ولكن سأتطرق باختصار إلى انطباعاتي الشخصية حول شعره وطريقته في الكتابة وعلاقتها بالمواقف السياسية الجريئة التي يتميز بها سام هاميل عن أغلبية الشعراء الأمريكيين المعاصرين، خاصة أولئك الذين عايشوا الحروب الأمريكية الأخيرة

اشتهر سام هاميل بشعره السياسي الذي ينتقد من خلاله السياسة الأمريكية والحروب التي نتجت عنها، وقد أكسبته جرأته شهرة دفعت بالسيدة الأولى بالبيت الأبيض لورا بوش إلى دعوته عام 2003 لحضور ندوة حول الشعر، والتي رفض حضورها احتجاجا على الحرب الوشيكة على العراق، أطلق موقع شعراء ضد الحرب وهو عبارة عن أنثولوجيا على الإنترنت جمعت أكثر من 20000 قصيدة احتجاج تولدت عنها حركة عالمية. قام سام هاميل باختيار مجموعة من القصائد من الموقع ونشرها في ديوان أطلق عليه ‘شعراء ضد الحرب (2003)’. اشتهر سام هاميل كذلك بتأسيسه مع شعراء آخرين من أمثال تري سوينسن وويليام أودالي- لمطبعة مرموقة أطلق عليها كوبر كانيون بريس بمدينة بورت تاونزاند بولاية واشنطن، وقد أصدرت هذه المطبعة دواوين لشعراء أمريكيين مشهورين من أمثال ويليام ستانلي ميروين الذي عين شاعرا للدولة سنة 2010

نُشِر لسام هاميل مجموعة مقالات و 14 ديوان شعري من بينها ‘أمتنان’ (1998)، ‘الوجهة صفر: قصائد 1970-1995(1995) ‘شبه فردوس: قصائد مختارة وترجمات’(شامبالا 2005)، ‘حظ أبكم’(2002)، بالإضافة إلى كتب ترجمها عن اليونانية واللاتينية والاستونية و اليابانية والصينية، كما حصل على جوائز وطنية و دولية من بينها جائزة مؤسسة غوغنهايم المنحة الوطنية للفنون، وجائزة هيئة الصداقة الأمريكية اليابانية، وجائزة حاكم ولاية واشنطن للفنون. وشغل سام هاميل منصب المحرر والناشر بالمطبعة المذكورة من 1972 الى 2004، حيث نقح و حرر وأعد للنشر الأعمال الكاملة لكل من كينيث ريكسروث وقصائد مختارة لطوماس ماكغراث وهايدن كاروث.

يتناول شعر سام هاميل مواضيع وقضايا متعددة يمكن أن تختزل بالأساس في علاقة الفرد بالمجتمع، في قالب شعري يحافظ على صفات تميز أنواع الشعر الأخرى. وشعر سام هاميل له طابع شخصي عميق يستلهم مادّته من تجارب بائسة عاشها أثناء طفولته، كما أنه يتميز بحب أسمى للإنسانية وعالم الطبيعة، فضلا عن اهتمامه بإشكالية فساد السلطة وتأثيرها على عقول وقلوب الأفراد ونوع اللغة التي يستعملونها، وعلى الوسط الذي يعيشون فيه. ويسعى هاميل من خلال شعره السياسي إلى إبراز قدرة الفرد على تجاوز القيود المفروضة عليه حتى يتسنى له أن يندمج، عبر قوة وجمال الكلمات، مع شعوب وثقافات أخرى. وبالرغم من أن قارئ قصائد سام هاميل السياسية يمكن أن يستشعر نوعا من الوحشية التي تشكل جزءا من التركيبية البيولوجية والنفسية للإنسان، إلا أن المغزى منها ليس تعذيب المتلقي لأغراض ذاتية، و لكن تحرير الشخص وفتح آفاقه على تجارب بشرية مشتركة. وردّاً على المنتقدين الذين شككوا في الدور الذي يلعبه الوعي السياسي في الشعر، صرح سام هاميل في مقابلة له عام 2006 بأنه: ‘لا يمكن الكتابة عن شخص ما وعن الظرف الإنساني دون أن تكون للشخص مواقف سياسية، وهذا لا يمتّ إطلاقاً بصلة لنوع العالم الذي كنا نعيش فيه في أي وقت مضى.

لشعـر سام هاميل- كما قلت- علاقة وطيدة بتجربة حياته الشخصية، فقد ترعرع في ظروف مزرية داخل بيت أسرة مزارعة تبنته بولاية يوتاه منذ أن كان عمره ثلاث سنوات. وخلال هذه الفترة من طفولته تعرض سام هاميل لكل أنواع التعنيف مما اضطره إلى الفرار من مزرعة الأسرة المتبنية إلى شوارع مدينة سان فرانسيسكو حيث سيكتشف عالم الجريمة و المخدرات والسرقة والسجون، قبل أن يلتحق بجنود المشاة الأمريكية بقرار فرض عليه من القضاء. وخلال سنوات الخدمة مع مشاة البحرية الأمريكية سيكتشف سام هاميل لأول مرة كتابات زعيم التيار العبثي ألبير كامي، التي تدعو إلى نبذ العنف، كما اكتشف أدب طريقة زين البوذية والتي ستستفيد منها كتاباته اللاحقة. وبعد عودته من الخدمة العسكرية التحق بجامعة كاليفورنيا بمدينة سانتا بربارا حيث سيدرس معه كينيث ريكسروث، الشاعر الأمريكي المرموق مؤسس نهضة سان فرانسيسكو، الذي غيّر مجرى حياته. قضى سام هاميل أربعة عشر سنة يدرس داخل السجون الأمريكية ، وعمل مساعدا للنساء المعنفات والأطفال المضطهدين، عدا السنوات الأليمة التي قضاها مع مشاة البحرية الأمريكية، وهو ما أثر على حساسيته الجمالية وجعلته يلتزم بالدفاع عن حقوق المعذبين في الأرض

إن هذه السمات و المواضيع تتضح من القصيدة التي نترجمها، والمعنونة ب ‘ الــــســـلام الـــحـقـيـقـي’. يستحضر سام هاميل في القصيدة تجربته النفسية إبان إحراق الراهب الفيتنامي ثيك كوانغ دوك لجسده يوم11 يونيو1963 احتجاجا على اضطهاد البوذيين(الذين يشكلون 90 من الساكنة) من طرف حكومة نكو دينه دييم ذات الأغلبية الكاثوليكية بجنوب الفييتنام، مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية عبر وكالة المخابرات المركزية. ويلاحظ القارئ أن سام هاميل يمزج في هذه القصيدة بين ما هو شخصي وما هو سياسي في قالب لغوي بليغ وعبارات مؤثرة، مستعيداً ذكرى حدث إحراق الراهب الفييتنامي تك كوانغ دوك لجسده. ويبدو أن عالم هاميل قد تأثّر بهذا الحدث الذي تركه يتجرع مرارة التجربة، ودفعه إلى تثمين الرهبان ورفع منزلتهم إلى درجة الشعراء. ويمكن للمتلقي أن يستشف من خلال نبرة القصيدة أن موضوع إحراق الذات قد اكتسب معنى آخر باعتباره فعلاً يعبر عن موقف سياسي صارخ ضد سياسة الدولة القمعية.

الـســلام الـحـقـيـقــي (سام هاميل)

شبه منكسر في تلك الليلة الداخنة،
مطأطأ الرأس عـلى شراب الساكـي
فـــي مــلـهــى لــيـلــي لـلـجـــنــود
فـي مـكان مـا فـي ‘نـاهـا بأوكـيـناوا،
مـنـذ مـا يـقـرب من الخـمـسـيـن عـامـا،
قرأت عن الرهبان الـبـوذيـيـن بـ’ـسايـغـون
أولـئـك الـذيـن أوقـفـوا حـركـة الـمـرور
عـلى الـشـارع الـرئيسي وسـط المـديـنة
ليتسنى لمعلمهم ثيك كوانغ دوك أن يجلس
.
جـلسة اللـوتـس وسط الشارع
وهــنـالـك عــمــدوه بـالـغــاز
والــكــيــروســيــــن،
تم أشعل عـود ثـقـاب
.
وأضـرم الـنـار في جـســده
حـدث ذلك فـي حـزيـران من عام ألف وتسعمائة وثلاثة وستين،
وكــنــت حـــيـنــهـا في العــشــريــن من العمر،
فرداً من أفراد مشاة البحرية الأمريكية 

لـم يتحرك الراهـب ،
لـم يـتـشـنـج،
لـم يــصـرخ
من الألم بينما النيران تلتهم جسده.

لم يكن طفلا صغيرا ولم يبلغ من العمر عتيا،
قلت أسأل صديقاً لي من ‘أوكيناوا،
مـا مـعـنـى أن يـقــوم شـخــص مـا
بـمـثـل هــذه الـتــضـحـيـة،
أن يـقــدم الـمــرء حــيـاتـه
.
بـمـثـل هـذا الـرعـب ولـكن بكرامة واقـتـنـاع
كيف يمكن لأي امرئ أن يتحمل مثل هذا الألم
دون أن يــبـكـي،
دون أن يـرمـش.

وقال صديقي ـ ببساطة: ‘ثيك كوانغ دوك
قــــد أدرك الــســلام الــحــقــيــقـــي.

وعلمت في تلك الليلة أن السلام الحقيقي
.
لـن يـأتـي إلــي أبـدا
ليس لـي، أيـتها النِرْفانَا.
هــذا الـعـالــم الـبـئـيــس
هو لـي ، لـي من أجل أن أتـعـذّب في حــزنـه

وبعـد نـصـف قـرن أفـكـر
في تات ثـيك كـوانـغ دوك،
الذي كرم الآن بمرتبة بوديساتفا؛
أفـكـر فـي حـيـاتـه
وهو يبني المعابـد ويلـقن السلام،
في مـوتـه والبـيان الذي أصدره.

مثل قلب شيلي رفض قلبه أن يحترق،
وعـنـدما أحرقــوا رمـاده مـرة أخرى
فــي الــمـحـرقـة-
تحول قـلبـه الـفـيـاض
بسحـر ساحـر إلـى حـجـر.

ما هـو السلام الحـقـيـقي؟
لا أستـطـيـع أن أعـرف.
مائة حرب قد أتت علي ثم غادرت،
.
بـيـنما أكـبـر فـي الـعـمـر
أتحمل وطأتها في عظامي
قـلـبـي يــحـتــرق
اليوم ، والعطش عطشي،
والجـوع يـقـبـع في النـفـس

أيها الرئيسي القـديـم،
أيـها المعـلـم القـديـم،
مـا الـذي تـعـلـمـتــه؟

Border Songs, World Palace Press, Los Osos, CA, 2012

                                                                                   
            ***

الـــطـــريـــــق إلـــــــى رامــــــــــا( سام هاميل)

أيـــن الـطـريـــق إلــى رامــــــا
و إلى إي مدى يمكن أن أذهب وحيدا؟

الطريق إلى راما هنا يا صاح،
هـنـا فــي غـــبـار عـظـامــنــا.

وهــنـا مــنــزل عـــربـــي
بـحـديـقـتـه الصيفية النائمة،
بشجـرة زيـتونـه و ظــلـهـا.

أحسب ثقوب الرصاصات، يا صاح،
و امــلأ فـــجــواتــهــا الـفـارغــة،
ولـكن يسـتـحـيـل أن تـعـد الأمـوات.

هـاهـنـا مـنـزل الـيـهــودي-
وأغــــرب شــــيء أنــــــه-يبدو تماما مثل منزل العربي:

نفس الحديقة، نفس شجرة الزيتون،
نـفـس الـثـقــوب فـي الحـديقــة ،
نـفــس لـطخات الدم على الرمل.

هنا في الطريق إلى راما
أمــــل أن أجــــد أخـــي،
الشاعــر سمـيح الـقـاسـم،

قــبـل أن يـفــوت الأوان.
تهت بعيدا في الصحراء،
متعـطـشـا إلـى كـلمـاتـه.

هل سمعت أخي الشاعر؟
سيفطر فؤادك ويجبره من جديد
بــأشــجــان أغــنــيــتــه

هـل رأيــت الشـاعـر يا صاح ؟
لـقـد سـئمـت من الـدخان و الغبار،
و الطريق طويل وأنا أطعن في السن.

سأموت في الطريق إلى راما
وقـلـبـي تـحـتـضنـه أغـنـيـتـه

(نفس المرجع)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق