في العشرينيات من
القرن العشرين اكتسبت جماعة من الكتاب الامريكيين شعبية خاصة بين القراء. وعرفت
باسم الجيل الضائع. وقد صاغت هذا الاسم الكاتبة الامريكية غيرترود ستاين التي كانت
تقيم في العاصمة الفرنسية. وشمل هذا الاسم كتابا من امثال ارنست همنغواي واف سكوت
فيتزجيرالد وجون دوس باسوس وشيروود اندرسون وكاي بويل وهارت كرين وفورد مادوكس
فورد وزيلدا فيتزجيرالد. واصبحت عبارة الجيل الضائع تشير فيما بعد الى كل الكتاب
الامريكيين في العشرينيات من القرن العشرين.
وكان للحرب العالمية الاولى الاثر
البالغ في اعمال الكتاب الامريكيين في تلك الحقبة. فقد شارك في القتال اعداد كبيرة
من الشبان الامريكيين وقتل منهم الكثيرون ومن عاد منهم الى الولايات المتحدة كان
مصابا اما اصابات بدنية او نفسية افقدتهم الايمان بالقيم الاخلاقية التي كانت
سائدة في البلاد قبل الحرب واصبحوا جيلا ضائعا يهيم على وجهه. وانعكس هذا كله في
الاعمال الادبية.
وكان همنغواي رائدا في اسلوب جديد في
الكتابة حاول الكثيرون من الكتاب الامريكيين في ما بعد السير على منواله. فاستغنى
عن النثر الزخرفي المتأنق الذي كان سائدا في القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة
وبريطانيا واستعاض عنه بنثر واضح ودقيق وموجز يركز على الفعل وليس القول. وتصور
الاعمال الادبية التي وضعها كتاب الجيل الضائع طريقة عيش الامريكيين في
العشرينيات. وكان لهذه الاعمال اثرها الواضح في الادب الامريكي على مدى اجيال
قادمة.
كانت باريس هي عاصمة الجيل الضائع من
الكتاب الامريكيين. كانت موطنا لكل ما هو جريء وحديث. وكما قالت غيرترود ستاين فان
باريس كانت موطنا للقرن العشرين. يضاف الى ذلك ان تكاليف المعيشة في باريس كانت
متدنية بحيث كان بامكان الكتاب الامريكيين ان يقيموا فيها بمبالغ زهيدة نسبيا من
المال. وحتى الكتاب الشبان الذين وصلوا الى باريس بعد ان اخفقوا في نشر اعمالهم في
الولايات المتحدة كان بامكانهم ان يعيشوا في المدينة على ما يرسله اهلهم لهم من
مال قليل.
كان عزرا باوند من اوائل الكتاب الذين
وصلوا الى باريس. جاء من لندن التي قضى فيها سنوات الحرب العالمية الاولى. وكان يقول:
لم يعد في بريطانيا حياة ثقافية. انتقل مع زوجته الى باريس التي اطلق عليها اسم
(جزيرة باريس)، معتقدا انها المدينة الاوربية الوحيدة التي يمكن ان يجد فيها
الادباء والشعراء ما يمكن ان ينقذ الاداب الانكليزية والامريكية من انحطاط محتم.
وسرعان ما وصل الى باريس بعد ذلك ارنست
همنغواي وزوجته وكان في الثانية والعشرين من العمر. وكان شابا خجولا ووسيما يؤثر
الاستماع على المشاركة في الحديث. وكان يعيش على ما ادخرته زوجته من مال وعلى ما
كان ينشره من نصوص ادبية هنا وهناك.
وفي صيف عام 1921 وصل الى باريس اف
سكوت فيتزجيرالد الذي كان قد صنع لنفسه اسما في الولايات المتحدة بروايته الاولى.
وامضى فيتزجيرالد وزوجته زيلدا بضعة ايام في باريس وعادا الى الولايات المتحدة.
وبعد ثلاثة اعوام قرر الزوجان السفر الى باريس للاقامة فيها بعيدا عن العبء الذي
كان يشكله الاصدقاء في الولايات المتحدة.
وفي العشرينيات عندما كانت اسعار صرف
العملات لصالح الامريكيين وصل الى باريس اعداد اخرى من الكتاب والفنانين
الامريكيين. وكان من مزايا باريس ان النشر فيها كان متوفرا بسهولة اكبر. كما كان
فيها العديد من المجلات الادبية التي كان يكتب فيها الامريكيون. من هذه المجلات
مجلة كان يقوم على تحريرها فورد مادوكس فورد من مكتب صغير وكان ينشر فيها اعمالا
لباوند وهمنغواي وستاين.
هذه المستعمرة الادبية كان مقرها في حي
مونتبارناس. وفي وسط الحي كان اربعة مقاه لاتزال قائمة حتى الان كان يتردد عليها
المغتربون الامريكيون من كتاب وفنانين. وكانوا يتعاطون فيها الشراب. وكان ابرزهم
فيتزجيرالد. اما همنغواي فقد كان حريصا على عمله، منظما ودقيقا ومثابرا. استأجر
غرفة في فندق مطل على شارع كاردينال لاموان للعمل فيها. وبعد ذلك درج على الكتابة
في المقاهي اثناء النهار عندما تكون فارغة من الزبائن تقريبا.
ولكن الكثيرين من اصحاب المواهب
الادبية لم يكونوا على هذه الدرجة من التنظيم والمثابرة. فقد كان روبرت ماكالمون
من الضحايا الاوائل للحياة العابثة في باريس في العشرينيات. كان كريما في تقديم
المساعدات المالية لنشر اعمال همنغواي وستاين وفورد ووليام كارلوس وليامز، غير انه
لم يكن حريصا على نشر اعماله واغرق نفسه في تعاطي الكحول.
وقد يكون وضع فيتزجيرالد وزوجته زيلدا
اكثر مأساوية. فقد كان كثيرا ما يحمل فيتزجيرالد حملا من الحانات الى بيته بسبب
التمادي في الشرب. وانتهى الامر بادخال زوجته الى مشفى الامراض النفسية. . . هكذا
كان وضع الجيل الضائع من الكتاب الامريكيين في باريس. وفي نهاية العشرينيات عاد
كثير منهم الى الولايات المتحدة وانتقل بعضهم الى دول اوربية اخرى كما فعل عزرا
باوند الذي استاء من سلوك رفاقه وقرر الانتقال الى ايطاليا.
zedhakim@yahoo.co.uk
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر : منابر ثقافية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق