الواقعية الامريكية
حركة ادبية ظهرت في اواخر القرن التاسع عشر ردا على الرومانسية وعلى التقليد
العاطفي الذي ارتبط بالكتابة الانثوية. وعلى رأس الواقعيين الامريكيين وليام دين
هاولز وهنري جيمس ووالت ويتمان ومارك توين وكيت شوبان وستفين كرين. وبالرغم من ان
الحركة الواقعية اثرت في الادب الاوربي والادب الامريكي الا ان التقليد الامريكي
ظهر في وقت متأخر من القرن التاسع عشر واستعمل اساليب مختلفة قليلا عن اساليب
الادب الاوربي. فالواقعية الامريكية كانت شكلا من اشكال الادب الروائي الامريكي
بشكل خاص مع ان بعض الشعراء والمسرحيين الامريكيين التزموا الواقعية في كتاباتهم
ايضا وان كان الى درجة اقل. يضاف الى ذلك ان الكثير من المقالات نشرت في المجلات
الادبية في ذلك الوقت لمحاولة الوصول الى تعريف مقبول للواقعية. وكانت هذه
المقالات باقلام الروائيين انفسهم الذين كانوا يكتبون الروايات والقصص القصيرة
الواقعية.
ارتبطت الواقعية في اذهان الكثيرين من
الكتاب والنقاد في اواخر القرن التاسع عشر بالكاتب الفرنسي اميل زولا الذي ابرزت
كتاباته احوال الطبقات الفقيرة واخلاقياتها وميولها الجنسية. اما في الولايات
المتحدة التي كانت لاتزال تحت تأثير الفلسفات البيوريتانية فقد قاوم كتابها هذه
الموضوعات واعتبروها لا تناسب الادب وواصلوا التمسك بالتفاؤل والمثالية المرتبطين
بالحركة الرومانسية. وقد وصل التشاؤم الذي اعقب عصر الصناعة في اوربة وتدفق الناس
من القرى الى المدن متأخرا الى الولايات المتحدة اي ربما في الثمانينيات من القرن
التاسع عشر، مع ان بعض الباحثين يصر على ان الحركة الواقعية بدأت في الولايات
المتحدة بعد الحرب الاهلية(1865) بقليل. واعتبر بعض النقاد الواقعية بانها اسلوب
في الكتابة يسعى الى التعبير عن الواقع الامريكي باللغة الامريكية المألوفة.
واعتبر نقاد اخرون الواقعية بانها تسجيل لواقع الحياة الحقيقي. بينما اعتبر فريق
ثالث من النقاد ان الواقعية تسعى الى رسم الواقع بموضوعية بما في ذلك الواقعية
الاثنية او الواقعية البراغماتية.
ويرى بعض النقاد ان من الايسر تعريف
الواقعية بما ليس فيها فقالوا انها تختلف اختلافا بينا عن الرومانسية. فبعد الحرب
الاهلية انقلب الكتاب والباحثون الامريكيون على اللاعقلانية في الادب حتى ان البعض
اتهموا اللاعقلانية في الادب بما في ذلك المثالية ومفهوم البطولة والمواقف
الاخلاقية المتزمتة بانها مسؤولة عن ترسيخ رؤية وطنية ادت بشكل حتمي الى الحروب
مما دفع بالامريكيين الى القتال في الوقت الذي كان يمكن فيه ازالة الخلافات
بالتفاوض والى التمسك بشعارات وطنية فارغة ادت الى ازهاق الارواح في ساحات القتال.
وقاوم الواقعيون الادب النسائي وقالوا انه يتمسك بالمثالية في تصويره العلاقات بين
الرجال والنساء وبدور المرأة في المجتمع.
وقال الروائيون والباحثون الواقعيون في
الولايات المتحدة بان الادب الواقعي يجب ان يقوم بوظيفة اجتماعية وان يخدم غرضا
اخلاقيا في عصر وفي بلد انعدم فيهما دور الكنيسة في توجيه المواطنين اخلاقيا.
ودفعت الانقسامات الطبقية في الولايات المتحدة في اواخر القرن التاسع عشر ببعض
الروائيين – مثل ادوارد بيلامي في كتابه (النظر الى الوراء 2000-1887) 1887 – الى
تصوير امكانية التغيير في شكل الواقعية الطوباوية. وبالرغم من ان الرواية
الطوباوية هي مجرد خيال الا ان معظم الروايات الطوباوية الامريكية في تلك الحقبة
رسخت تأثير الواقعية الادبية والتطلع الى الاصلاح. ففي سعيهم الى تصوير واقع
مستقبلي مثالي القى الروائيون الضوء على واقع راهن فاسد بما سجلوه من تفاصيل
دقيقة. وكان معظم هؤلاء الروائيين من العاملين في الصحافة. فسجلوا ما خلفته الثورة
الصناعية من فوضى اخلاقية واقتصادية في حياة الناس. واعتمدوا في رواياتهم على
تفاصيل استقوها من دراسات ميدانية غير خيالية. ومن اشهر هؤلاء جيكوب ريس في كتابه
(كيف يعيش النصف الثاني – دراسات في الاحياء الفقيرة في نيويورك). واصبح هذا
الكتاب من اكثر الكتب تأثيرا في القرن التاسع عشر. واعتبر النقاد محاولة ريس تصوير
احوال الفقراء في الجانب الشرقي من نيويورك مثالا يحتذى للرواية الواقعية واصبحت
حياة ريس الادبية مثالا للسعي الى تسجيل الواقع في الرواية الاصلاحية.
واذا كان جيكوب ريس قد صور احوال
الفقراء في المدن فان هاملين غارلاند قد صور احوال الفقراء في الارياف. وسجل في
مجموعاته القصصية التي نشرها في التسعينيات من القرن التاسع عشر ازمة الفقراء في
مزارع الغرب الاوسط من الولايات المتحدة واوجد بذلك صنفا جديدا من الواقعية هو
الواقعية الريفية.
وارتبطت بالواقعية الريفية حركة اللون
المحلي الادبية التي اكدت على الوصف المفصل تفصيلا دقيقا لاماكن حقيقية وسجلت
اللهجات المحلية في حوار الشخصيات. وانقسم النقاد في ما اذا كان ادب اللون المحلي
يمكن ان يصنف بانه ادب واقعي نظرا الى انه لا يبحث في القضايا الاجتماعية
والاخلاقية المعاصرة. ولكن فريقا من النقاد اعتبر اللون المحلي صنفا من اصناف
الواقعية نظرا الى انه يستعمل الاسلوب الادبي نفسه في الكتابة. واعتبر بعض النقاد
ان الواقعية الامريكية بشكل عام تسجل مشاعر تنطوي على احساس بالخسارة والابتعاد عن
عصور ذهبية غابرة. واعتبر هذا الفريق ان ادب اللون المحلي يسجل هذا الاحساس
بالخسارة.
واتفق النقاد عموما على ان وليام دين
هاولز وهنري جيمس هما ابرز الروائيين الذي التزموا بالواقعية الامريكية مع ان
الكثيرين ذكروا ايضا مارك توين كروائي واقعي بارز في الادب الامريكي. واعتبر وليام
دين هاولز في كتاباته الروائية الواقعية بانها الاسلوب الادبي المناسب للادب
الامريكي الصاعد. وقال ان على الواقعية الامريكية ان تركز على الخبرات الحياتية
العامة التي تعلم وتصلح القراء اكثر مما تركز على الموضوعات السوداوية اللااخلاقية
التي صورتها الواقعية الاوربية. ومن ابرز اعمال وليام دين هاولز (صعود سايلاس
لابام) 1885 و(خطر الثروات الجديدة) 1890. وقد يكون هنري جيمس اكثر الروائيين
الامريكيين الواقعيين اتقانا للصنعة الفنية في رواياته وقصصه القصيرة. واثار اعجاب
قرائه بشخصياته الروائية التي تفنن في رسم عوالمها النفسية الداخلية. ولم يعتبر ان
من واجب الكاتب ان يجمع معلومات واحداثا واقعية من عالمه الخارجي ليسجلها في شكل
روائي. ولكن على الكاتب ان يعتمد على خياله الخصب في انتاج شخصيات واقعية ومشاهد
وظروف. ومن ابرز اعمال جيمس في الحركة الواقعية (صورة سيدة) 1881. اما مارك توين
فقد اعتبره النقاد بشكل واسع على انه واحد من اشهر الروائيين الواقعيين في القرن
التاسع عشر. واذا كان بعض الباحثين قد اعتبر (مغامرات هكلبري فين) 1884 بعيدة عن
التيار الواقعي الامريكي الا ان البعض الاخر اعتبر ان هذه الرواية تعالج الموضوعات
الاخلاقية والاجتماعية ذاتها التي اهتم بمعالجتها الكتاب الروائيون الواقعيون ولكن
بظرف ودعابة اشتهر بهما مارك توين.
zedhakim@yahoo.co.uk
ـــــــــــــــــــــــــ
المصدر : منابر ثقافية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق