الاثنين، 25 يوليو 2016

نهاية «الأجنبي العجوز»

ترجمة جودت جالي

التاريخ: 27-11-2013


قبل 100 سنة، في مثل هذا الشهر، شرع الصحافي أمبروز بيرس البالغ من العمر 71 عاما بمهمته الأخيرة، متخليا عن حياة شبه التقاعد المريحة في واشنطن، منطلقا نحو مكسيكو ليكتب ريبورتاجات عن الثورة. أرسل رسالة إلى ابنة أخيه يقول فيها: "وداعا.. إذا علمتِ بأني أوقفت إلى جدار حجري مكسيكي ورميت بالرصاص حتى تحولت إلى مزق فأرجوك أن تعلمي بأني أرى أنها طريقة جميلة لمغادرة هذه الحياة. إنها أفضل من الشيخوخة، والمرض، أو السقوط من السلم. أن يكون المرء Gringo في مكسيكو، آه... إنه شيء يثير الحماس!". (Gringo)تعني بالإسبانية الأميركية الأجنبي المتحدث بالإنكليزية تحديدا-المترجم.

من الممكن تماما أنه حصل على ما تمناه. كتب رسالة إلى صديق في (يوم الملاكمة) من العام 1913 عندما كان في رفقة القائد الثوري (بانشو فيلا) إلى مدينة (شيهواهوا)، تنتهي الرسالة بهذه الكلمات: "بالنسبة إلي.. سأغادر هذا المكان غدا الى وجهة مجهولة" ولم يُسمع عنه شيء بعدها أبدا.

إن لم يكن اسم بيرس مألوفا عندك فلا شك أنك تمثلت بأحد أقواله دون أن تعلم أنه له، فأشهر كتبه (قاموس الشيطان) 1913 هو مجموعة من الحكم نذكر منها: "ساخر. اسم. حقير ترى رؤيته المختلة الأشياء كما هي وليست كما يجب أن تكون". و"الحب. اسم. هو اعتلال مؤقت يداوى بالزواج". و"يبتهل. فعل. هو أن يسأل الغاء قوانين الكون لصالح متوسل واحد لا يستحق الإجابة باعترافه".

ولد بيرس في تموز 1842 وكان العاشر من بين 13 طفلا تبدأ أسماؤهم كلهم بحرف أ. باشر مهنته الصحفية في سن الخامسة عشر قبل أن يقاتل لصالح الاتحاديين في الحرب الأهلية عندما كلف بإنقاذ رفيق له تحت نار كثيفة. انتهى به المطاف كاتب عمود في جريدة (سان فرانسيسكو إيكزامينير) حيث قيل انه كان الصحافي الوحيد في التاريخ الأميركي الذي كان يُنشر له دون أن تُغير كلمة واحدة مما يكتب. وبتقدمه في العمر أصبحت الحياة في أميركا برأيه "عالما من الجهل، والتعصب الأعمى، والقسوة،...." عكس ما كان يراها في شبابه. ربما سنرى مستقبلا كاتبا أو عددا من كتابنا يذهبون إلى مجاهل الأرض هربا من مواجهة فيس بوك. لكن بيرس كان يدرك أيضا أن الحرب الأهلية قد أوحت اليه بأروع أعماله وكان تواقا إلى استعادة هذا الإلهام الذي يبرز من معمعان المعركة.

الاحتمال الأقرب لتفسير اختفائه هو أنه قتل في معركة أوجيناغا في كانون الثاني 1914 ولكن يوجد عدد كبير من نظريات المؤامرة في هذا الموضوع منها أنه قُتل لكي لا يكشف حقيقة ما، ومنها أيضا أن بيرس نفسه قد أخفى وجهته الحقيقية ليذهب للعلاج في مستشفى أمراض عقلية بكاليفورنيا.

في رواية (الأجنبي العجوز) 1985 وهي أول رواية مكسيكية تصبح من أعلى الكتب مبيعا في الولايات المتحدة يتخيل كاتبها كارلوس فوينتس أن بيرس امتد به العمر وأصبح عدوا للثوار محتقَرا، مؤديا الدور التقليدي للأميركي الذي يواجه مشكلة في فهم الثقافة المكسيكية، وقد اقتبست الرواية الى فيلم مثل فيه غريغوري بيك بدور بيرس. لقد ألهم لغز بيرس أفلام رعب عديدة، وبالمناسبة هو أستاذ من أساتذة كتابة قصص الرعب، من هذه الأفلام (ابنة الشناق) 2000 الذي يكون فيه بيرس شخصية رئيسة ويختفي لأنه أصبح مصاص دماء. لكن أليس من المخجل أن تأخذ قضية موت بيرس تأثيرا ثقافيا أكثر من كتاباته. بودي أن أرى اهتماما أكبر بطبع قصصه القصيرة، وقد أعلنته جريدة نيويورك تايمز مؤخرا "أقوى كاتب قصص رعب يحتل مكانه بجدارة بين (بو) و (لوفكرافت)". ويتميز عن هذين الكاتبين بأسلوب يجعل الجو المخيف واقعا معيشا كما في قصته (ليلة صيفية)، كما أن أعظم قصصه هي التي استمد مواضيعها من تجاربه في الحرب الأهلية والتي استطاع فيها أن يوصل للقارئ بثلاث صفحات أكثر مما يوصله فيلم (إنقاذ الجندي رايان) بثلاث ساعات. أرى أنه من الأفضل قضاء الوقت في قراءة قصصه خير من أن نفكر في موته، ولنبدأ بتعريفه للسنة:" اسم. فترة زمنية مكونة من 365 خيبة"!

جيك كيرج/ عن جريدة تيليغراف
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر : الصباح

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق