العدد: 14365
ولد الكاتب الأمريكي
جون ماديسون المعروف باسم جون رودريغو دوس باسوس في شيكاغو، من علاقة غير
شرعية بين امرأة غنية من الجنوب، ومحام من أصل برتغالي. فكان ذلك سبباً أساسياً في
ازدواجية موقفه الساخر من مجتمع القرن العشرين الذي عدّ نفسه غريباً عنه إلى درجة
تغيير اسمه، وكان من جهة أخرى يتوق إلى أن يتقبله ذلك المجتمع، ولم يتزوج والداه
الطبيعيان إلا في عام 1910. وقد قضى طفولة وحيدة موحشة في أوربا وإنكلترا. وقبل
دخوله جامعة هارفرد عام 1912 اتخذ اسم جده لأبيه رودريغو دوس باسوس. وكتب فيما بعد
رواية فيها عناصر من سيرته الذاتية، بعنوان «البلد المختار» عام
(1951). شملت ثقافته قراءة كثير من قصص الروائيين الإنكليز، مثل ثاكري
وفيلدنغ وهاردي وكذلك الفرنسي غوستاف فلوبير وبعض
المؤلفين الإسبان، أمثال أنطونيو ماشادو وبيوباروخا
وقد أدى شعور دوس
باسوس بالاغتراب في مجتمعه إلى ظهور نزعة التمرد لديه حتى قبل ذهابه متطوعاً إلى
الحرب العالمية الأولى سائقاً لعربة إسعاف في الجبهة الغربية عام 1917. فأذهلته
الكوارث والحرائق المرعبة التي بدا فيها العالم كله آخذا بالتمزق. وكان من مصادر
سخريته الهوة الشاسعة بين المثاليات المعبر عنها بجمل طنانة وبين الحقيقة الرهيبة
على أرض الواقع. ولذلك كان يرى أن دوره يشبه دور طبيب يغرس مبضعه في جوانب القبح
والوحشية التي تعيق نمو الفكر الإنساني في المجتمع، فيفضحها ويعريها.
كتب دوس باسوس روايات
كثيرة، كما نظم الشعر وكتب المسرحيات، والمقالات، وأدب الرحلات. كانت «ثلاثة جنود»
عام (1921) أول رواياته المهمة، لكن روايته المعنونة «تحول مانهاتن»
عام (1925) هي التي شهرته، وهي صورة جماعية للحياة في مدينة نيويورك.
وكتب كذلك ثلاثيته المعنونة «الولايات المتحدة الأمريكية» ، التي ألفها بين
عامي 1930 و1936 ونشرت عام 1938، وهي مكونة من «خط العرض الثاني والأربعين»
عام (1930) و«1919» عام (1932) و«الأموال الطائلة» عام
(1936)، ويحاول الكاتب في هذه الثلاثية أن يلتقط تنوع الحياة وتعقيدها في الولايات
المتحدة في القرن العشرين، منظوراً إليها بشكل انتقادي من وجهة نظر فردية ومثالية
باستخدام وسائل شتى، كالسرد القصصي، وتيار الوعي، وهو أسلوب استعاره من الكاتب
الأيرلندي جيمس جويس كما استخدم أيضاً صوراً من سيرة حياته الشخصية، واستشهد بنصوص
من الصحف اليومية.
ويرى دوس باسوس أن
الولايات المتحدة في ذلك الوقت قد أصبحت مقبرة للأحلام التي ركض وراءها مجتمع
جعلته أطماعه ينسى تاريخه ومثالياته. وكان يرى أن واجب الفنان هو تصوير ذلك
المجتمع، تماماً كما تفعل الأفلام التسجيلية، لإظهار ما فيه من المفارقات. وقد
استخدم في «تحول مانهاتن» تقنيات صحفية وسينمائية حديثة في تصوير الحياة في مدينة
نيويورك بعد الحرب العالمية الأولى، فامتدح النقاد ذلك. أما في ثلاثيته «الولايات
المتحدة الأميركية» فيرتبط التاريخ السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الثلث الأول
من القرن العشرين ارتباطاً وثيقاً بالتجربة الإنسانية، بما فيها من غرام وفقر وسأم
واضطرابات وآلام وآمال. ويرى دوس باسوس في علاقة المؤسسات بالأفراد شيئاً من
الازدواجية إذ إنهم أقاموها ثم شعروا بالنفور والاغتراب إزاءها.
قام دوس باسوس، مع
عدد من الأدباء الأمريكيين الآخرين المعاصرين له مثل فرانسيس سكوت فِتزجيرالد
والشاعر إدوارد إستلين كمِنغز وإرنست همنغواي ووليم فوكنر (فولكنر ( باستكشاف
وتصوير أجواء الخيبة والفشل وآثارها على حياة الفرد. كما صور التأثير النفسي لخداع
الذات في المجتمع الأمريكي، والتكالب المادي على حساب القيم الروحية، وأثر التصنيع
السريع، وإفقار الفلاحين، والمضاربات المالية التي أدت إلى الانهيار الاقتصادي الكبير
عام 1929. وكان يتعاطف مع العمال ضد الظلم الاجتماعي بحيث انجذب إلى الشيوعية فترة
قصيرة، لكنه كان مؤمناً بالفردية، ومتشككاً في كل الأنظمة السياسية.
ظل دوس باسوس في
أعماله كلها يكافح ضد المنظمات التي تصور أنها تخنق حرية الفرد، كالمؤسسة العسكرية
في روايته «ثلاثة جنود»، والمدينة في «تحول مانهاتن» والرأسمالية في «الولايات
المتحدة الأمريكية»، والشيوعية في «مغامرات شاب» عام (1939)، والحكومة
في «رقم واحد» عام (1943) و«المخطط الأكبر» عام (1949)
و«الأيام العظيمة» عام (1957)، واتحادات العمال في «منتصف القرن»
عام (1961). ومن مؤلفاته الأخرى «الحولية الرابعة عشرة»
عام (1967) وتضم رسائله ومذكراته، إضافة إلى ثلاث مسرحيات وسيرة توماس
جيفرسون.
مع كل المثاليات
والأفكار الليبرالية التي تحلت بها كتابات دوس باسوس في مستهل حياته الأدبية، إلا
أنه انقلب في نهايتها على ذات المبادئ التي كان ينادي بها، فصار يمينياً متشدداً
ومن أنصار أعتى «الصقور» في الحزب الجمهوري ومؤيداً للحرب في فيتنام. وانعكس كل
هذا على كتاباته الأخيرة التي لم تعد تستقطب القراء أو النقاد عند وفاته في مدينة
بالتيمور بولاية ميريلاند.
الفئة: أدب
ونقد
المصدر: الموسوعة
العربية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق