الجمعة، 28 أكتوبر 2016

بول بيتي ينتقد العنصرية ويفوز بـ «مان بوكر»

لندن - مودي بيطار 


للمرة الأولى يفوز كاتب أميركي بجائزة «مان بوكر» التي اقتصرت حتى 2013 على كُتّاب بريطانيا ودول الكومنوِلث. ضمّت اللائحة القصيرة بريطانيين وكنديين وأميركيين، وشملت الأعمال المرشحة رواية بوليسية سيكولوجية. ينال الفائز خمسين ألف جنيه استرليني، وتمنحه الجائزة فرصة الترجمة الى لغات عدة ودخول لائحة الأكثر مبيعاً.

رأت «لوس أنجلس تايمز» رواية «الخيانة» لبول بيتي إحدى أهم الروايات الأميركية في القرن الواحد العشرين، وطوّبت «سان فرنسيسكو كرونيكل» الكاتب الأسود الساخر، مارك توين عصرنا. قال بيتي إن القراء قد يجدون روايته صعبة، لكنّ المؤرخة أماندا فورمان، رئيسة لجنة الحكم، رأت أن «ليس على الأدب أن يكون مريحاً. نادراً ما تكون الحقيقة جميلة، وهذا كتاب يعلّق القارئ على الصليب بحماسة مرحة، وهذا سبب نجاحه». امتدحت فورمان حيوية بيتي وثقته وكتابته بأقصى قدرته، وقالت إن «الخيانة» تغوص في قلب المجتمع الأميركي المعاصر بدابة وحشية لم ترَ مثلها منذ جوناثان سويفت ومارك توين. تكثر الشتائم وكلمة «زنجي» في الرواية «المرحة المؤلمة في آن» التي أضافت فورمان أنها تتحدى المحرمات الاجتماعية والصواب السياسي والبقرات المقدسة. اختار أعضاء اللجنة الخمسة «الخيانة» بالإجماع بعد اجتماع دام أربع ساعات، ومدحوا مقاربتها الكوميدية المبتكرة لقضايا الظلم والهوية العنصرية في أميركا.

بكى بيتي (54 سنة) حين أعلن فوزه وقال إن الرواية أبكته مراراً لأسباب عدة، وصعبت كتابتها عليه. نال جائزة حلقة النقاد في بلاده عن الرواية نفسها، وأدهشه كون الجميع يرونها كوميديا. هو الكاتب الأسود الثاني الذي ينال مان بوكر بعد مارلون جيمس العام الماضي، وبدأ شاعر هيب - هوب ثم انتقل الى الرواية متأثراً بجورج أورويل وكورت فونيغوت. كانت والدته ممرضة ورسامة، وشجعته وشقيقتيه على قراءة سول بيلو وجوزف هلر، مؤلف «كاتش 22». ضمّت اللائحة القصيرة «آيلين» لمواطنته أوتيسا مشفق، «لا تقل إننا لا نملك شيئاً» و»كل ما هو الإنسان» للكنديين مادلين تيين وديفيد سالوي، «مشروعه الدامي» و»حليب ساخن» لغريم ماكري بنيت وديبرا ليفي من المملكة المتحدة.

يبقى بطل «الخيانة» الشاب بلا اسم وينتمي الى عائلة «مي» ومعناها «أنا» (بالعربية). أشركه والده، عالم الاجتماع، في اختبارات نفسية عن العرق لكي يحصّنه منذ طفولته ضد التمييز العنصري. تعيش الأسرة في إحدى ضواحي لوس أنجلس حيث يعتمد سكانها على الزراعة وتربية الماشية، وحين تقتل الشرطة الأب عند إشارة سير يحتار الشاب ولا يصدق. «اعتقدت بأن موته حيلة. خطة متقنة ليلقنني درساً عن مصيبة العرق الأسود، ويلهمني بأن أنجح. توقعت نصف توقع أن ينهض، ينفض ثيابه ويقول:»هل رأيت يا زنجي؟ إذا كان هذا يحدث لأذكى الرجال السود، تخيل ماذا يمكن أن يحدث لك يا غبي. موت التمييز العنصري لا يعني أنهم لم يعودوا يقتلون الزنوج فور رؤيتهم».

يزرع الراوي البطيخ الأصفر، ويتعاطى الحشيش. يسيطر على بلدته ديكنز بعد موت والده، ويجري اختباراً يعيد العبودية والتمييز العنصري. تظهر لافتات «للبيض فقط» على الباصات والمستشفى والمدرسة، ويشارك شخصياً في اضطهاد قومه حين يجعل هوميني، الذي احترف التمثيل في طفولته، عبداً له ويريح قدميه على ظهره. تشوّش معاملة السود سلوكه، ولا يغضب حين يواجه الإذلال، بل يتساءل ما إذا كان عليه الانـــسحاب بكرامة وكتابة رسالة احتجاج الى المحافظ. يتشرّب الذلّ وينكر هويته في تبنٍّ لســلوك السلطة البيضاء، ويسخر من حركة الحقوق المدنية. حين يملأ ورقة الإحصاء السكاني، لا يختار خانة «أسود» بل «عرق آخر»، ويجد الحل في اعتبار نفسه كاليفورنياً كأن كاليفورنيا هوية وحالة ثقافية تعني الليبرالية والمبادئ التقدمية. لا يطول اختباره، إذ يعتقل ويساق الى المحكمة العليا.

ـــــــــــــــــــــــــ

(*) جريدة الحياة اللندنية

الخميس، 27 أكتوبر 2016

مختارات من الشعر الأميركي الحديث



بيروت - يضم كتاب “كيف سقط قوس قزح على قلبي” مختارات من الشعر الأميركي الحديث من اختيار وترجمة الشاعر السعودي حسن الصلهبي، الذي افتتحه بمقدمة جاء فيها “في هذه المجموعة من المختارات الشعرية أحاول أن ألبس الترجمة الشعرية ثوبا جديدا، ليس مزخرفا بأسماء الشّعراء وحضورهم الطاغي عالميا مثل والت ويتمان وت.س. إليوت، معتمدا على نظرية الترجمة الموطنة، التي تنقل النص من برزخه الترجمي إلى جنته في لغته الجديدة، وتؤلفه على قلب قارئه الجديد”.
ويبدأ الصلهبي كتابه، الصادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون، بمسح سريع لمسيرة الشعر الأميركي لكي تساعد القارئ على ربط بعض النصوص بالظروف التاريخية والاجتماعية التي كتبت فيها، بالإضافة إلى قراءة نقدية في شعرية كل شاعر والتعريف به وعرض لعدد من قصائده المختارة.
ومن بين العناوين الواردة في الكتاب نذكر “البدايات: من عام 1600 إلى الثورة الأميركية (1775–1783)”، و”الحقبة الاستعمارية وشعر التطهيريين”، و”الشعر الوطني في عصر الثورة الأميركية (1775–1783)”، و”نشأة الشعر القومي”، و”شعراء المدفأة”، و”النهضة الأميركية (1830–1840)”، و”العصر الذهبي للشعر الأميركي”، و”باتجاه القرن العشرين (1890-1910)”، وعدة عناوين أخرى تنتهي بالشعر الأميركي اليوم.
لقد أراد المؤلف الصلهبي من وراء هذا الكتاب تقديم صورة شاملة عن الشعر الأميركي من بدايات عام 1600، وهي الفترة التي بدأ فيها عوده يشتد ويقف على رجليه منافسا الشعر البريطاني، إلى يومنا هذا، فمن أقدم الشعراء الذين ترجمت لهم المجموعة رالف والدو إمرسون (1803–1882)، وكذلك هنري وادسورث لونجفيلو (1807–1882)، وأيضا إدغار ألن بو (1809–1849)، كما ضمت المجموعة شعراء لا يزالون أحياء مثل تشارلز رايت المولود عام 1935، وروبرت هاس المولود عام 1941، والشاعرة روث ستون المولودة عام 1959.
يقول المؤلف “رغم أن هناك شعراء قبل وبعد هذه المجموعة يستحقون الكثير، ولكن لاهتمامي بالشعر الحديث فقد ركزت على هذه الفترة التي تمثل أوج نهضة الشعرالأميركي، وتعتبر منجزا شعريا شغل الحركة النقدية والدراسات الأدبية العالمية، ولفتت أنظار شعراء العالم إليها، موقنا في ذات الوقت بأهمية ما قد ترجم من قبل، إلّا أن زوايا الاهتمام تختلف من مترجم إلى آخر”.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر : العرب

الأربعاء، 26 أكتوبر 2016

ويليام سارويان



وليام سارويان [31 أغسطس 1908 في كاليفورنيا - 18 مايو 1981]. كان روائي وكاتب ومسرحي أمريكي من أصل أرمني اشتهر بمسرحياته وقصصه التي تمجد قدرة الإنسانالعادي على الحياة بكامل الغبطة والسرور في عالم يتسم بواقع مرير. وفي مقدمته عن إحدى مسرحياته كتب سارويان قائلاً: "عش حياتك، بحيث لا يكون في ذلك الزمن الطيب وجود للقبيح، أو لموت في نفسك، أو لأي نفس أخرى ترتبط بحياتك". تعكس أعمال سارويان إيمانه ببراءة الناس الأصلية الفطرية.


أعماله: 

أول كتاب له كان مجموعة قصصية بعنوان الشاب الجريء على الأرجوحة الطائرة التي صدرت عام 1934. وفاز سارويان بجائزة بوليتزر عن مسرحيته زمن حياتك التي تعتبر أفضل مسرحياته، ولكنه رفض تسلم الجائزة بحجة أنه يرفض الجوائز الأدبية.

ـــــــــــــــــــــــ
المصدر: ويكيبديا

بول بيتي اول اميركي يفوز بجائزة مان بوكر برايز


لندن (أ ف ب) - فاز بول بيتي (54 عاما) بجائزة مان بوكر برايز مساء الثلاثاء ليصبح بذلك اول اميركي ينال هذه الجائزة الادبية العريقة باللغة الانكليزية، عن روايته "ذي سيل آوت".
وتشكل راويته وصفا لاذعا لحياة المدن في الولايات المتحدة. وهو قال لهيئة "بي بي سي"، انها "كتاب يصعب جدا هضمه".
وشددت لجنة تحكيم الجائزة على ان الراوية تشكل "وصفا صادما ومضحكا في آن" لمسقط رأس الكاتب لوس انجليس مع استخدام الهجاء للغوص في المساواة العرقية في بيئة متخيلة.
وقال الكاتب الذي غلب عليه التأثر عندما تسلم جائزته من الامير تشارلز وزوجة كاميلا "لقد كانت رحلة طويلة جدا بالنسبة لي".
واضافت اللجنة "في وصفه الحنون والساخر في آن لمدينته وسكانها يتجنب بيتي المواقف المتفق عليها في العلاقات العرقية والحلول والمسلمات. ويقدم الكاتب من خلال بطله النزيه وصاحب النوايا الحسنة صورة بريئة لعالم فاسد".
واوضحت ان الكتاب يحمل "الوضع الراهن الذي لا يطاق في العلاقات العرقية في الولايات المتحدة الى خاتمة غريبة".
و"ذي سيل آوت" هو الرواية الرابعة لبول بيتي. وسبق ان حققت له هذه السنة جائزة "ناشونال بوك كريتيكس سيركل اوارد" التي يقدمها النقاد الادبيون الاميركيون.
واسست جائزة بوكر مان برايز في العام 1969 وهي مفتوحة منذ العام 2014 لكل المؤلفين باللغة الانكليزية في حين كانت قبل ذلك محصورة بالكتاب البريطانيين والايرلنديين ومن دول الكومونولث.
وحصل الفائز ايضا على جائزة قدرها 52500 جنيه استرليني (59 الف يورو).
ــــــــــــــــــــــــــــــــ

الثلاثاء، 25 أكتوبر 2016

توني موريسون .. الكاتبة التى حاربت العنصرية بقوة الأدب

كتبت : شيماء فؤاد



 ”  أنا لا أكتب انتقاماً من العنصرية بل لتغيير اللغة إلى لغة لا تنتقص من الناس ، لا أحمل سيفاً ، ولا أبتغي رد المظالم ، أريد ملء الفراغ بصوت النساء السوداوات  ” تلك الكلمات الثاقبة هى للروائية الأمريكية إفريقية الأصل ” تونى موريسون ” التى فازت بجائزة نوبل في الأدب عام 1993 عن مُجمل أعمالها، وجائزة بوليتزر عن روايتها محبوبة.
اليوم تحتفل الكاتبة توني موريسون  بيوم مولدها فى عام 1931 ، واسمها الأصلي هو ( كلويه أنطوني) ، و التى عرفت بكتاباتها التى تغوص فى الأعماق لتحقيق الذات لكل الأميركيين من أصل إفريقي بالعودة الى الجذور ، انها كاتبة أدبية من الطراز الأول ، تدرك معنى الحرية ومعنى الهم الإنساني .
تقول موريسون “انني من مواليد كليفلاند ، جذوري تعود الى الجنوب ، هرب أهلي من الاسترقاق في القرن الماضي ، كان الصراع بين التكيف مع الواقع الأبيض والحفاظ على الهوية السوداء هاجسي دائماً”
كان والدها بعد هجرتهم يعتقد باستحالة التعايش بين البيض والسود في انسجام ووئام، وكان هذا الاعتقاد بطبيعة الحال وليد أجيال كثيرة من معايشة بين البيض والسود ، و رغم أن عائلة موريسون من الطبقة العاملة ، لكنها عائلة مثقفة ، فقد كان جدها عازفاً موسيقياً وأمها كانت مغنية في كنيسة الحي ، أما أبوها فهو حداد .
  أظهرت الطفلة توني ميولاً أدبية منذ نعومة أظفارها ، وقد اطلعت على كلاسيكيات الأدب الفرنسي والانجليزي والروسي ، و  تابعت دراستها في الانسانيات والأداب في جامعتي”هاورد”و”كورنيل” ، و  تخصصت بالقانون ثم درست الآداب عام 1953 وتابعت تحصيلها الدراسي لتحوز شهادة بعلم النفس عام 1955 .
وعملت في جامعات عدة مثل”الجامعة الجنوبية في تكساس”و”هاورد”و”ييل”  ، كما عملت كناقدة وألقت العديد من المحاضرات في الأدب الإفريقي الأمريكي ، و فى  عام 1964 عملت كمحررة أدبية في مؤسسة راندوم للنشر.
لقد تأثرت تونى بوالدتها كثيرا التى وقفت ضد العنصرية ، وتقول تونى : كانت أمي تعشق ارتياد المسارح بعد ظهر أيام السبت والجلوس في الأماكن المخصصة للبيض فقط. وعندما علقت لافتات على الجدران تهدد السود الذين يجلسون في أماكن البيض بالطرد، كان من دأبها أن تمزق هذه اللافتات وتنثرها في جميع أنحاء المكان. وكانت تكاتب الرئيس روزفيلت بشان أوضاع السود.
وشرعت موريسون في الكتابة منذ سنوات دراستها الأولى في الجامعة عندما كان السود يقاتلون من أجل نيل حقوقهم المدنية ، فعبرت عن  أوضاع السود بكثير من الواقعية والعمق والتعاطف.
 منذ أن نشرت كتابها الأول بعنوان (العين الأشد زرقة) 1970 وهي تحاول محاولات دائبة لإضاءة مراحل مهملة من التاريخ الأميركي، التى استعبدت فيها أمريكا الآخرون ، لتظهر شخصيات الرواية  التي لحق بها الضرر والقمع والاضطهاد ،  تتطلع إلى الموت أو إلى النسيان أو إلى إلغاء الماضي، وهي موقنة بأن الموت ربما يكون أفضل من المستقبل.
أثارت روايتها الأولى اهتمام النقاد والجماهير العريضة من القراء ومحبي الأدب لما فيها من حس ملحمي واضح وتصوير شاعري لدقائق حياة المجتمع الأمريكي الأسود . 
من أفضل روايات توني موريسون هي (محبوبة) التي فازت بجائزة بوليتزر أكبر الجوائز الأدبية في الولايات المتحدة عام 1988. وهي رواية مكثفة وغنية في أسلوبها وأفكارها. فالحدث الواحد ينظر إليه من زوايا مختلفة شخصية ووطنية وتاريخية وإنسانية.
و تقول موريسون فيها : لقد أخذ البيض كل ما معي وكل ما احلم به، وحطموا قلبي ،  ليس هناك حظ سيئ في العالم ولكن هناك شعبا ابيض فقط.
 و أخذت موريسون روايتها من تقرير عثرت عليه في (الكتاب الأسود)، وهو مجموعة من قصاصات الصحف والإعلانات الصحفية التي ترصد تاريخ الأميركيين الأفارقة من بداية التجارة بالرقيق إلى حركة الحقوق المدنية. وكان التقرير الذي هزها من الأعماق بعنوان (زيارة إلى الأم السوداء التي قتلت ابنتها الوليدة لئلا تعيش في عالم يهيمن عليه البيض). وتشهد الجدة عملية القتل.
ويتحدث التقرير عن الفقر والبؤس في حياة هاتين المرأتين ويقول: هاتان العبدتان عاشتا حياتهما كلها على بعد ستة عشر كيلومترا من مدينة سنسناتي. يقولون لنا إن تجار الرقيق في هذه المنطقة رحماء جدا بالعبيد، وإذا كانوا كذلك فكيف لنا أن نتخيل ما يفعله التجار الرحماء؟ 

رواية ” محبوبة “
نجحت موريسون في تصوير الرق بكل بشاعته وقسوته بان سمحت للشخصيات والتفصيلات بأن تعبر  عن نفسها دون تدخل من الكاتبة.
 بطلة روايتها هي (سيث) تفر من مالكها الأبيض في ولاية كنتاكي وتقيم مع حماتها في ضواحي سنسناتي، والظروف التي تفر فيها سيث تجعل منها بطلة حقيقية: فهي حامل بابنها الرابع، ويتخلى عنها زوجها في اللحظة الأخيرة، ومع ذلك ترسل أولادها الثلاثة في عربة متوجهة إلى اوهايو ثم تلحق بهم عام 1855، بعد أن تلد ابنتها دينفر.
وعندما ينضم إليها بول دي، أحد معارفها، بعد ثمانية عشر عاما يتعرف إلى ظروف حياتها. لقد فر ولداها الكبيران. أما ابنتها الصغرى فتبدو عليها إمارات الانسحاب والعدوان، وأما ابنتها الأخرى فقد ماتت منذ وقت طويل ولكن روحها وذكرياتها تسكن البيت. فلا شك أن شيئا رهيبا حدث في البيت، وكثير من الرواية مكرس للكشف عن هذا اللغز. وسيث غير متعاونة في عملية الكشف، فهي تريد أن تنسى الماضي، وهي تعتقد أن مهمتها في المستقبل هي نسيان الماضي، ولكنها لا تفلح في هذه المهمة. 
وفي يوم من الأيام تفاجأ بزائرة اسمها محبوبة. وهو الاسم الذي أطلقته على ابنتها، فنكتشف أن هناك مبررات فلسفية وإنسانية للقتل. لقد كان أمام سيث خياران: إما أن تقتل ابنتها أو أن تقبل بأن تعيش الطفلة في ظل العبودية .

وتبرز الرواية المفارقات الكبيرة في حياة أشخاصها : فالحياة الطيبة عندهم هي الحياة التي يعيشونها في الظلام، لأن النهار بشمسه ودفئه يذكرهم بالعمل المضني تحت إشراف البيض  ، كما تعبر عن معاناتهم فهم  يبتسمون عندما يشعرون بالحزن، ويتوقون إلى الموت (فالبطلة التي قتلت ابنتها تقول: لو لم اقتلها فإنها كانت ستموت، وهذا ما لا أحتمله قط) .
 إن اهتمام توني بمثل هذه الأزمات المعاصرة هو الذي جعل رواياتها، بالإضافة إلى أنها فن رفيع، فهى تعبر عن تاريخ  اجتماعي ونفسي واقتصادي لمشكلة السود وأمثالهم من المضطهدين في العالم. 
و من رواياتها الأخرى: ، نشيد سليمان، سولا، وطفل القطران ، الحبيب ، و موسيقى الجاز ، الجنة ، الحب ، و أحدث روايتها ” رحمة “، تُرجمت أعمالها إلى مختلف لغات العالم، ومن بينها العربية .
و من مقولاتها :” قدرة الكُتاب على أن يتخليلوا ما هو خارج الذات  ، ليحولوا كل ما هو غريب لأمر مألوف ، هو اختبار قوتهم “ ، ” لو هناك كتاب تتوق لقرائته  ، و لكنه لم يكتب بعد ، فيجب عليك كتابته ” .

المصدر : محيط

الخميس، 13 أكتوبر 2016

دون ديليلو في روايته الجديدة زيرو ك‮:‬ الاحتيال علي الموت

ميتشىكو كاكوتانى )النيويورك تاىمز)
ترجمة: مجدى عبد المجىد خاطر

يُطارد الموت شخصيات دون ديليلّو- سواء في هيئة الإرهاب، القنبلة الذّريَّة، الاغتيالات، الانتحار، الحروب، الزلازل، الطوائف القاتلة أو: سموم محمولة جوّاً، تُحلّق فوق صفحة الأرض، مثل قارب موت في أسطورة إسكندنافيَّة قديمة. وفي مسعاهم لدرء مخاوفهم من الموت، يُضطر مواطنوه لبلوغ نظم عَقَديَّة، مُخدرات، هوايات، مبادئ مُنظِّمَة (بدءً مِن كُرة القدم، إلي المعادلات الرياضياتيَّة، وصولاً إلي القصص)، طقوس التدبير المنزلي- أي شيء مِن شأنه إبعاد حقيقة الفناء، ولو مؤقّتاً.
يكاشفنا الراوي في ضجيج أبيض- رواية ديليلو السّابقة- أنّ: كافّة الحبكات تميل للحركة في اتجاه الموت، هكذا طبيعة الحبكات والمكائد، سياسيَّة أو إرهابيَّة أو سرديَّة، مكائد عشّاق أو المكائد التي تمثّل جزءً من ألعاب الأطفال. ندنو أكثر من شفير الموت بكل مرّة نُخطط ونتواطأ فيها. الأمر أشبه بعقد لابد أن يوقّعه الجميع، المتآمرون والمُتآمر عليهم، سواءٌ بسواء
تُشبه رواية السّيد ديليلّو الآسرة الجديدة، زيرو ك- الأكثر اقناعاً منذُ رائعته المدهشة، عالم سفلي (1997)- مسنداً لروايته الأخري، ضجيج أبيض (1985): بائسة وباردة في استشرافها للمستقبل، في حين كانت تلك الرّواية السّالفة ساخرة قاتمة في هزليتها. في زيرو ك، تسعي شخصيتان مركزيتان لهزيمة الموت، لا بتخطّيه، بل بالخضوع إليه: يُخططان لأن يصيرا، مُحفزين كيميائيَّاً للفظ روحيهما، وتجميد جسديهما داخل مجمّع تجميد فائق السريَّة؛ كي يتمكنا يوماً مِن العودة إلي الحياة- مِن خلال تقانة علمية متقنة تشمل تجديد الخلايا وتقانة النانو. في يوم مِن الأيام، سيتاح للبشر (الأثرياء منهم علي الأقل) خيار الولادة من جديد، كائنات طازجة، مشذّبة، غُرست داخلها ذكريات اختاروها بأنفسهم- موسيقي، صور عائليَّة، كتابات فلسفيَّة: روايات فلسفيَّة، أفلام برجمان وكوبريك وكيروساوا وتاركوفسكي.
تُقلع رواية زيرو ك، وقد أضفت عليها روايات السيد ديليلّو الأخيرة، بوينت أوميجا(2010)، رجل ساقط(2007)، والمدينة الكونيَّة(2003)، بعضاً من صداها المؤسف حين استبدل إحساسه الصّاخب الملموس بالحياة المعاصرة، بتأملات نسقيَّة غريبة، مُجرّدة في أغلبها بشأن الهوية والمصير،ولا يهبّ السيد ديليلّو لاستعمال راداره للكشف عن متناقضات وأوهام الحياة الحديثة، إلا بعد مضي نحو ثلث الكتاب
تبدأ روايته تدريجيَّاً بالتكشّف؛ إذْ تختبر الوسائل التي يتقارب من خلالها العلم والدّين في عالم يملؤه الخوف من الإرهاب والحرب، والتلهّف لأجل حلول، وربّما خلاص، تسفر عنه التقانة. في الوقت ذاته، تنفتح الرواية داخليَّاً، إذْ ترسم لوحة لعلاقة جيفري، الرّاوي، العاطفيَّة المشحونة بأبيه اللامبال المتسلِّط- في تذكير بعلاقة بنوّة نيك شاي في رواية عالم سفلي، إحدي روايات ديليلّو القليلة التي يستبطن فيها ما تحت قشرة حيوات شخصياته الهشّة.

في بداية زيرو ك، يُنقل جيفري إلي مُجمّع بعيد بمكان ما غامض بالقرب من كازاخستان، حيثُ موّل أبوه البليونير، روسّ، مشروع التقارب حيثُ يجري تجميد وحفظ الموتي تحسباً لليوم الّذي يُمكن فيه استعادة العقل والجسد معاً. ثمّة وحدة خاصّة اسمها زيرو ك، مُخصصة للمرضي الّذين يتخذون قراراً واعياً: بالانتقال للمستوي التالي، قبل ميتاتهم الطبيعيَّة. كانت زوجة روسّ الحبيبة، آرتس، والتي عانت العديد من الأمراض المسببة للعجز، قد اختارت هذا الشّكل من المساعدة علي الإنتحار، ما يدفع روسّ الّذي يحظي بصحّة جيدة، إلي الإعلان عن عزمه رفقة آرتس في رحلتها بحياتها الأخروية.
يسقط جيفري فريسة ارتباك مُبرر؛ إذْ يتساءل إذا كان أبوه قد تعرّض لغسيل عقل علي يدّ واحدة من الطوائف الخطيرة، أو أنّ قراره ليس إلا مظهراً منحرفاً، بوصفه رجلاً هائل الثراء، للرغبة في بسط السيطرة علي حياته- في هذه الحالة، من خلال اختيار وضع حدّ لها. يُدرك أنّ تعقيدات ردّ فعله ترجع لإنطوائه علي مشاعره المترددة إزاء أبيه الّذي، منذُ عقود مضت، هجره هو وأمّه، وأنّ اغترابه (وهي حالة عقليَّة تسم الكثير ين من أبطال روايات ديليلّو) تعود جذوره إلي هذا الصراع الأوديبي.  
سيشحذ وصف السيد ديليلّو لمجمّع التقارب كافّة تصورات القارئ عن الجمعيات السريَّة. ثمّة ممرات تيه ذات غرف لا يُمكن دخولها وراء أبواب غامضة، تذكير  بتلك البوابات التي واجهت أليس بطلة لويس كارول صعوبة بالغة في عبورها داخل أرض العجائب. ثمّة أيضاً أحاديث متبادلة غريبة، وكافكاويَّة، مع حُرّاس المجمّع الّذين يتكلّمون لغة عصر بيروقراطي جديد تغطّي عملهم الشرير، ولمحات أشبه بالخيال العلمي لآرتس ومرضي آخرين يتم تحضيرهم للمرحلة التالية في رحلاتهم، حيث ستوضع أجسادهم داخل حجيرات فائقة العزل( إذْ قُطِفّت أمخاخهم وسائر أعضائهم الحيويَّة الأخري للحفظ بأماكن أخري، كما هو الحال مع المومياوات المصريَّة).

لو أنّ ثمّة أصداء في تلك الصفحات لفيلم ستانلي كوبريك الكلاسيكي 1968: 2001، أوديسا الفضاء، فإنّ رؤية السيد ديليلّو تكشف عن جانب أكثر إظلاماً. ذلك أنّه يتشكك في هؤلاء الّذين يعتبرون الحياة البشريَّة محض خطوة علي سلّم التطوّر بين القرود وسلالة مستقبليَّة مِن أطفال النجوم. في الحقيقة، تطرح زيرو ك، قضيَّة أنّ الأمل في توفير التقانة حلاً لمسألة الفناء(كما فعل الدّين من قبل) إلهاء ووهم خطيرين منذ اللحظة الرّاهنة. كما تتراءي لقطات الأفلام التي تعرض الكوارث الطبيعيَّة والتي صنعها الإنسان علي شاشات مجمّع التقارب، والموظفين الشبيهين بالروبوتات، كأنّها ترحِّب بنهاية الزمان الوشيكة باعتبارها بداية جديدة


إنّ كافة الثيمات التي نفخت الحياة بروايات السيد ديليلّو علي مدي السنين الفائتة، حاضرة بقوّة في زيرو ك- مِن غواية التقانة ووسائط الإعلام الجماهيريَّة، إلي قوّة المال والخوف من الفوضي. لا تمتلك هذه الرّواية- أو تطمح لامتلاك- محواً سيمفونيَّاً للعالم السفلي، بل هي أشبه بمقطوعة من موسيقي الحجرة. لكن بمجرّد أن تنفض الرّواية عن نفسها بدايتها المتكلّفة، تذكّرنا زيرو ك، بأيام زهو السّيد ديليلّو  ككاتب ووعيه بالأشكال الغريبة المتلويَّة التي يُمكن للمخاوف البشريَّة السرمديَّة أن تتخذها في الألفيَّة الجديدة