توفي الشاعر الأميركي مارك
ستراند، عن عمر يناهز الثمانين عاماً، يوم السبت 29 نوفمبر 2014، في بيت ابنته في
بروكلين، ويعدّ ستراند، المولود في 11 أبريل 1934 في كندا، واحداً من أبرز
الشعراء الأميركيين المعاصرين، سورياليّ النّزعة، ينتمي إلى ما يُعرف، في التقليد الأميركيّ،
بشعرية "الصورة العميقة".
ومن أهم كتبه التي اعتبرت صعبة التصنيف كتاب
"الأثر" الذي أوشك أن يحصل في السبعينيات على جائزة بوليتزر، لولا أن
رئيس لجنة التحكيم اعترض لأنه مكتوب بالنثر. وصدرت له منذ فترة قصيرة أعماله
الكاملة محتوية كتبه من 1968 إلى 2012. ترجم إلى الإنكليزية أشعاراً لرفائيل
ألبرتي، وكان أميرا لشعراء الولايات المتحدة ومستشاراً شعرياً لمكتبة الكونغرس
ومستشاراً، ورئيسا لأكاديمية الشعراء الأميركيين، وبقي أستاذ للأدب الإنجليزي
والمقارن بجامعة كولومبيا حتى وفاته.
هنا قصائد له بترجمة الشاعر العراقي الراحل
سركون بولص تصدر قريباً عن منشورات الجمل.
الباص الأخير
)ريو دي جانيرو، 1966(
سادَ الظلام.
مطرٌ خفيفٌ
يبلّل الشوارع
ولا شئ يتحرّك
في منتزه"لوتا".
النخيلُ يتدلّى
فوق الأعشاب اللفّاء
والشجيرات ذات الأحجام الكبيرة
تخفق على جوانب المماشي
متسربلةً باللاءات
العالمُ في خارج المطال.
أطال السبّاحين
تصعدُ ببطء من الموج
وتتقلّبُ عالياً في الرذاذ.
يسيرون على الشاطئ
وتشتعلُ عيونهم
كالنجوم.
و"ريو" تنام:
البحر حلمٌ
تموت فيه وتولد ثانية.
الباصُ يُسرع.
في إثره
تتحلّل غيمة بنفسجيّة.
تبدأ ساقاي بالإرتعاش.
رئتاي تمتلئان بالبخار.
يغطّي العرقُ وجهي
ويقط على صدري
في عنقي، وكتفيّ، وجعٌ يسري.
غير واثق
حتى من انني يقظان،
أتشبّث بحافّة
الكرسي.
السائق يبتسم
سراويله ملفوفةٌ إلى ما فوق ركبتيه
وفخذاه العاريتان
تلمعان في الحرارة.
تحاول امرأةٌ أن تواسيني.
تضعُ يدها تحت قميصي
وتكتبُ على ظهري
أسماء الأزهار.
تنّورتها سوداء
لها جمجمةٌ صغيرة
وعلى كلٍّ من ركبتيها
عظمتان متقاطعتان.
هناك حديقة في عينيها
حيث تُزاحم الهواء
صفوف من شواهد القبور البضاء
البليدة
ويقف الناس ملوّحين بالوداع.
يخامرني حسٌّ بأنني هناك.
تهمسُ من خلال أسنانها
وتضعُ شفتيها
تلقاء خدّي.
السائق يستدير.
عيناه مغمضتان
وهو يمشّط شعره يقول لي، أن أكون شجاعاً.
وكلّما تحدّث أشعر بأن نبضي
يضعف أكثر.
المرأة تقبّلني ثانيةً،
فكّها يُطقطق
وأنفاسها تتشبث
بعنفي كالضباب.
أستدير نحو لوح النافذة
المهشّم
الذي يسيلُ عليه المطر.
أين كنتُ؟
أنظرُ نحو "ريو"-
لم يعد شيءٌ كما كان.
المسيح الذي كان يقف
في غديرٍ من الضوء الكهربائي
عالياً على التلّة
اختفى.
والخليجُ أسود
والمدينة السوداء
تغرقُ في قبرها
وأنا أبداً لن أعود.
***
ساعي البريد
الوقت منتصف الليل.
يأتي سائراً في الممشى
ويطرقُ على الباب.
أندفعُ نحوه وأحييّه.
إنه يقف هناك
باكياً يهزّ رسالةً في وجهي.
يقول لي أنها تحتوي
أخباراً شخصيّة مخيفة.
ويكبو على ركبتيه-
متضرّعاً إليّ"اغفر لي! اغفر لي!"
أدعوه للدخول.
فيمسح عينيه.
بدلته الزرقاء الحالكة
تشبه لطخة حبر
على أريكتي القرمزيّة.
إنه يتكوّر، عاجزاً، عصبياً وضئيلاً
مثل الكرة على نفسه، وينام
بينما أكتبُ المزيد من الرسائل المماثلة
إلى نفسي:
"إنك ستحيا
عن طريق إحلال الألم.
ولسوف تمنحُ الغفران".
***
الزواج
تأتي الريح من قُطبين متقابلين
مسافرةُ ببطء.
هي تَتقلّب في الواء العميق.
هوَ يسيرُ في السحاب.
إنها تجهّز نفسها،
تهزّ خصلات شعرها،
تكحلُ عينيها،
تبتسم.
الشمسُ تدفيء أسنانها،
طرفُ لسانها يُرّطبها.
إتّه ينفض الغبار من سترتِه
ويعدّل ربطة عنقه.
ها هو يدخّن.
سرعان ما سيلتقيان.
تقرّبهما من بعضهما اليه.
يلوّحان.
اقرب، أقرب.
إنهما يتعانقان.
هاهي ترتّب سريراً.
إنه يخلع سراويله.
يتزوّجان
ويُرزقان بطفل.
تحملهما الريح
في اتجاهين مختلفين.
الريح قويّة، يفكّر
وهو يعدّل ربطة عنقه.
أحبّ هذه الريح، تقول
وهي ترتدي ثوبها.
الريح تنفتحث لهما.
الريح، بالنسبةإليهما، هي الكُلّ.
واقع الحال
"العالم بشعٌ
والبشر حزانى".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق