الأربعاء، 27 يوليو 2016

في رواية (الفردوس) الجريمة والشعوذة بين أجواء مقدسة

بغداد/ أوراق
تاريخ النشر: 28-02-2015

روبي هو حي أميركي صغير يضم مجموعة بيوت لعائلات من السود فقط، فلا يوجد بينهم ابيض واحد، يعيش أهله بأمان واستقرار وتعاون وتآزر.. لكن في منتصف السبعينات تبدأ حالة من التمرد بين الشباب حتى يثور الحي وتنقلب الأوضاع.. احداث نعيش تفاصيلها في رواية (الفردوس) للكاتبة توني موريسون والصادرة عن دار (المدى) للثقافة والنشر بترجمة توفيق الأسدي..

يفكر بطاركة الحي وهم يبحثون عن الأسباب التي أدت الى انقلاب الشباب وخروجهم عن الأعراف العتيدة السائدة في حين بقي كبار السن متمسكون بشدة بالقواعد والقوانين التي كانت تشد أزر العائلات بعضها الى بعض بايمان ومعرفة وعمل متواصل للحفاظ على اللحمة التي تجعل مناخ الحي هادئ ومتجانس، فهو بالنسبة للجميع الفردوس الذي يخشون عليه من الانهيار والضياع.. وتبدأ جهود حثيثة للبحث والتقصي في كل غريب وجديد ومثير للريبة والشك، حتى يكتشفون مجموعة من النساء يعشن في الدير القديم الواقع خارج حدود الحي، يعملن في زراعة نباتات دوائية ومخدرة، ويقمن ببيع المواد الضرورية للمعيشة اليومية، والأهم من كل ذلك يستقبلن الفتيات الشابات الحوامل والزوجات العليلات من حي روبي.. ومن خلال متابعة دقيقة يتبين انهن مجموعة من النساء اللواتي ينتمين الى عالم الفجور والشعوذة، فيعقد العزم على اقتحام الدير وقتل النساء.. لكن المحير في الأمر ان الكاتبة لم تمهد لأحداث روايتها على نحو واضح يريح القارئ، مبتدئة بالسرد من مشهد المجزرة:"إنهم يطلقون النار على الفتاة البيضاء أولاً، أما البقية فيتمهلون معهن، لا حاجة للاسراع، انهم على مسافة سبعة عشر ميلاً عن بلدة تبعد تسعين ميلاً عن أي بلدة أخرى". وراح المسلحون يفتشون الغرف بعد اقتحامهم باب الدير، صعد رجلان الى الطابق العلوي وأخذا يتفحصان غرف النوم الأربع، على باب كل واحدة منها بطاقة تحمل اسمائهن كتبت باحمر الشفاه سينيكا وديفاين وغيرهن، نساء لا ينمن في اسرة وانما في ارجوحة شبكية ولا يوجد في الغرفة اثاث عدا مكتب ضيق او طاولة صغيرة مع اشياء غريبة مسمرة او ملصقة على الجدران ورسائل مكتوبة بالدم وملطخة لا يمكن فك رموزها اضافة الى سلسلة من احذية الاطفال مربوطة بحبل معلق من مهد لآخر، وقد لفت انتباه احد الرجلين اصبع قدم لطفل في احد الأحذية مما يدلل على حالات من التعذيب السري للاطفال، ولا توجد ملابس في الخزائن، ويرتدين ثياباً متسخة.. وفي خضم الاحداث تستعرض موريسون تفاصيل عن حياة النساء وكأنها ترينا ان ما يصدر عنهن من انحراف وجريمة وشعوذة هو نتيجة لاضطهادهن واقصائهن واغفال أهمية دورهن في الحياة الاجتماعية، مكرسة حيزين متوازيين من الرواية لتفصيل خلفيات الرجال والنساء المتواجهين في هذه المأساة. كما تكشف ان سكان حي روبي ما زالوا عميقي الارتباط بتاريخهم الدموي المليء باضطهاد الزنجي لاخيه، والخلاّسي على يد الزنجي والابيض. وتوصي موريسون بان الانعزال وطلب الصفاء العنصري جعلا أهالي روبي يكرهون كل جديد وافد ويشكون في كل غريب وزائر. ويعيشون بعيداً عن سخط الجيل الجديد ومتغيرات العالم.. وترسم شخصيات الذكور على نحو متشابه في المضمون، فكلهم سلطويون، ناريو المزاج، يعتبرون النساء المستقلات ساقطات، وتصف موريسون شخصياتها النسائية على نحو اكثر تشكيلاً لنجد في النهاية انهن متشابهات، فمديرة الدير السابقة كوني محشورة في قدرها المغلق. وميفيس فرت من زوجها وتركت طفليها يموتان في السيارة  وهي في اشد حالات الهسترة. وجيجي الغاوية الحــسناء تركت صاحبها في السجن وهامت على وجهها. وسينيكا المسافرة التي عرفت شتى انواع الاستلاب والقهر. وبالاس ابنة المحامي الثري هجرها عشيقها ليقع في غرام امها. والحقيقة ان البعد المزدوج لكل من الشخصيات يبقى هشاً سريع العطب. والاحداث مفتعلة تدفع بعضها بعضاً. ويقترب النص احياناً من الانشاء البحثي، منوهة الى ان الرجال من خلال سلوكهم يعتقدون انهم يحمون زوجاتهم واطفالهم، لكنهم في الواقع يشوهونهم. وعندما يطلب الاولاد المشوهون مساعدة تراهم يبحثون عن سبب من خارج مجتمعهم.. وفي الصفحات الأخيرة من الرواية تصور لنا حكاية تروى عن بناية صغيرة تقع على مشارف حي معزول من أوكلاهوما كانت في السابق مدرسة للبنات، ثم تحولت إلى مأوى للنساء الهاربات من سوء معاملة الأزواج أو العشاق وقد عرفن اقداراً مختلفة من العنف والقهر في ظل تجارب إنسانية صعبة، وجئن للاحتماء من الماضي في هذا المكان البعيد.. الا ان رجال البلدة رفضوا قبول الناحية الايجابية لوجودهن، فروجوا إشاعات حول عمليات إجهاض مزعومة وممارسات سحر وشعوذة وشكاوى حول هذا النسل الجديد من الاناث، لكونهن تجرأن على الاستقلال والاكتفاء الذاتي.. وذات صباح يقرر رجال البلدة اخذ الامور على عاتقهم فينزلون على الدير مسلحين بالبنادق والمسدسات والاصفاد والرفوش، ويهاجمونه ملحقين الأذى بساكناته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر : المدي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق