الأربعاء، 13 يوليو 2016

الأميركيون يستعيدون رواية "عناقيد الغضب" لشتاينبك في ظل تأثيرات الركود الاقتصادي

واشنطن-حسين الأمير(*)
تاريخ النشر: 26 مارس 2009

 لا يبدو أن هناك أحدا في أميركا بدا سعيدا مع دخول البلاد مرحلة الركود غير شتاينبك. هذه عبارة لافتة افتتحت بها مقالة في الملحق الثقافي لصحيفة "واشنطن بوست" هذا الأسبوع تقرأ ظاهرة جديدة، تمثلت بالإقبال الكبير على قراءة ادب الروائي الأميركي جون شتاينبك، وخصوصا روايته "عناقيد الغضب" التي مر على نشرها أول مرة 70 عاما، وتصور عائلة أميركية في رحلة من ولاية اوكلاهوما إلى ولاية كاليفورنيا بحثا عن فرص حياة أفضل.
وفي المركز الوطني الأميركي للفنون، أمكن ملاحظة تحقيق رواية "عناقيد الغضب" من أرقام في درجة الإقبال على قراءتها ضعف ما كانت عليه في العام الماضي.
وفي مدينة جاكسون بولاية ميشيغان، قدّر أمناء المكتبات العامة أن أكثر من 2000 شخص سجلوا أسماءهم لقراءة الكتاب خلال شهر آذار (مارس) الحالي كجزء من برنامج "القراءة الكبرى".
بينما تقول المدرسة كيمبرلي رابيرت التي تقوم بتدريس الرواية لتلاميذ الصف الحادي عشر في المدرسة الثانوية الغربية بالمدينة ذاتها، أن "الأزمة الاقتصادية الراهنة بمثابة هبة من السماء"، في إشارة إلى أن التلاميذ بدأوا مطابقة الوقائع التي تصورها "عناقيد الغضب"، مع تلك التي بدأوا التعرف إليها مع عوائلهم والمتعلقة بما يعنيه الركود الاقتصادي للبلاد وانعكاساتها النفسية والاجتماعية.
الكاتب الحاصل على جائزة نوبل، وصاحب الأعمال الأكثر مبيعا لم يكن حين وضع رواية "عناقيد الغضب" تضيء مساحة الأمل على مواطنيه الذين كانوا عاشوا قسوة أيام "الركود الاقتصادي الكبير" في العام 1929 واستمرت نتائجه على امتداد سنوات عقد الثلاثينيات، بل إنه كتبها انطلاقا من رومانسية الخير الأخلاقية الأساسية التي تنبع من المحنة، ولأنه كان يكره القيم المادية في صعودها أثناء مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
نقاد أميركيون يرون اليوم الأمر ذاته في تحليلهم لظاهرة الإقبال على قراءة رواية "عناقيد الغضب" لشتاينبك، مشيرين إلى صعود القيم المادية المعقدة ذاتها التي حمل عليها الكاتب، مع تنويههم إلى أن " نكون مستعدين لتعلم درس أو اثنين من شتاينبك".
وإلى أكثر من ذلك تذهب الناقدة راشيل دراي في صحيفة "واشنطن بوست"، وتقول "لو أننا أمعنا النظر في ما كان يقوله شتاينبك خلال خمسينيات القرن الماضي وستينياته، ما كنا سنصل إلى أوضاعنا السيئة الحالية"!
وكان شتاينبك بدأ يتابع القيم التي بات التلفزيون يعززها اجتماعيا لجهة تنشيط الجشع عبر الدعاية التجارية المتقنة فنيا، وكيف تحول الناس إلى ساحة لعب مكشوفة كانوا فيها يركضون خلف تأمين حاجتهم لبضائع تختطف الأبصار، وليس بالضرورة أنهم كانوا في حاجة ماسة إليها.
وفيما تبدو الأزمة الاقتصادية التي تعانيها أميركا سببا مباشرا في تسجيل رواية "عناقيد الغضب" أرقاما عالية في لوائح القراءة في المكتبات العامة الأميركية، إلا أن القيم التي بشر فيها شتاينبك تظهر في أعمال أخرى غير أدبية، وتنصح بقراءتها دراي، وتنتظم في الموضوع الرئيسي لشتاينبك: نقد القيم المادية المتطرفة في أميركا، مثل كتاب "شتاء استياءنا" ، "رحلات مع تشارلي في البحث عن أميركا" و"أميركا والأميركيون".
وتوفر العناوين الثلاثة للقارئ الأميركي الفرصة لمعاينة قيم اللامبالاة، الجشع، والفساد الأخلاقي ضمن رؤية لتشريح أميركا.
شتاينبك من الفصل الدراسي.. إلى الحياة
الطلبة الذي يدرسون رواية شتاينبك "عناقيد الغضب" بدأوا يطابقون بين أوضاعهم وعائلاتهم، وأوضاع أبطال الرواية الغاضبين من ظروفهم الحياتية الصعبة، ففي الصف الدراسي تبدد حديث الطلبة عن الكلية ليظهر حديث البحث عن فرصة عمل يمكن من خلالها مساعدة الآباء، حتى ولو بأجر منخفض، وفقدان العمل وفر ظروفا قاتمة من عدم اليقين بشأن المستقبل.
وفي كتابه "رحلات مع تشارلي"، يتعرف القارئ إلى مناطق مثل: يونجز تاون، كليفلاند، أكرون، توليدو، بونتياك، فلينت وغيرها، وهي تبدو في أقصى تضخمها لجهة روعة الطاقة والإنتاج، فيما هذه المناطق يخيم عليها الصمت هذه الأيام!
إنه درس آخر من شتاينبك لم يأخذ بقوة وتقدير يستحقه حين قدمه في نهج أخلاقي قائم على التحذير من "تطرف" القيم المادية في أميركا، التطرف الذي باتت البلاد ضحية نموذجية له.
وكان شتاينبك 1902- 1968 الحائزعلى جائزة نوبل للآداب العام 1962 ولد في ساليناس بولاية كاليفورنيا من أصل ألماني، وانتسب إلى جامعة ستانفورد ليدرس علم الأحياء البحرية، ولكنه لم يكمل دراسته، فترك الجامعة ليعمل في ميادين مختلفة: عاملاً، جامعا للفواكه، مسَّاح أراضٍ، وحين أراد أن يقوم بأعمال حرة في مدينة المال نيويورك لم يفلح حين دخلت أميركا مرحلة "الكساد الكبير"، فعاد إلى كاليفورنيا ليتفرغ للكتابة.‏
وكانت روايات "إلى اله مجهول" في العام 1933، "فئران ورجال" العام 1937، و"شرقي عدن" العام 1952 حازت شهرة واسعة، إلا أن روايته "عناقيد الغضب" العام 1939، ظلت الأبرز في نتاجه الأدبي والفكري، بل إن هناك من اعتبرها من بين مجموعة من الكتب التي غيَّرت مجرى العالم كالكتاب المقدّس، و"كوخ العم توم" "رأسمال المال" لماركس، و"هكذا تكلّم زرادشت" لِنيْتشه.
ـــــــــــــــــــــــ
المصدر : الغد
(*) علي عبد الامير : http://www.aliabdulameer.com/inp/view.asp?ID=766

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق