الاثنين، 11 يوليو 2016

لمحات ثقافية (11-01-2013)

مودي بيطار

تاريخ النشر: 10 كانون الثاني 2013

فعل حياة

في الرابعة والسبعين، وخلفها سبعون كتاباً. قد لا تهنأ جويس كارول أوتس قبل أن يتجاوز عدد كتبها سني عمرها، لكن الأمر يبدو فعل حياة لا إحصاء. تحافظ الكاتبة الأميركية على مستواها الرفيع وإن خالطت الكمية كليشيهات وتكرار. مجموعتها الأخيرة «عذراء الذرة وكوابيس أخرى» الصادرة في بريطانيا عن «هد أوف زوس» عن الوحدة والعنف والانتقام والغيرة والأحلام المكسورة. القصة الرئيسة رواية صغيرة عن مراهقة غاضبة ترى فتاة جميلة أصغر منها بعامين في المدرسة، وتقرّر أنها عذراء الذرة. لم يكن شعر ماريسا البلاتيني، الذي يشبه خيوط الذرة، وحده ما ذكّر جود بالأسطورة الهندية، بل أساساً سعادتها مع والدتها. لم تعرف جود من الأسرة سوى الجدّة التي عاشت معها مذ كانت في الثانية، ولماذا حقّ لماريسا البلهاء ما عصاها؟ قدّم هنود البويبلو الصغيرات ضحايا من أجل موسم ذرة كريم، وحياة ماريسا ليست أغلى من حياتهن. لكن الخطف تعلّق بالتحدّي أولاً. كان اختباراً للتأكد من سماح الله به أو لا.
تخطر فكرة الخطف لجود خلال رحلة مدرسية، ويروق لها توريط المعلّم البديل ميكال الذي أثار نفورها. عارضت ضحكته السريعة، الفاتنة، الساخرة ضحكتها العالية، الأنفية التي فاجأتها مثل عطسة. كانت ماريسا اللطيفة أصغر عقلياً من سنّها، وسجّلتها والدتها في مدرسة خاصة علّها تتحسّن في صفوف أقل حجماً ينال التلميذ فيها رعاية أكبر. تستدرج جود الفتاة مع زميلتين «تابعتين» لها إلى منزل جدّتها المتصدّع حيث تودعها الطبقة السفلى، وتعطيها مثلجات وضعت مخدّراً فيها. في اليوم التالي تنتشر صور الطفلة المفقودة في البلدة، ويضرب الذعر الأهل الذين تغيّر أيام معدودة حياتهم. يهجم الإعلام ويفرض نماذجه المفضّلة على من يلتقيهم، خصوصاً والدة الطفلة ومعلمتها.
تكتب أوتس جيداً عن الأطفال وهي لم تنجب. القصص الأخرى عن طفلة في التاسعة ينقلب عالمها مع ولادة شقيقة لها. أرملة شابة ساذجة تتعرف إلى مقاتل سابق في العراق وتتجاهل سلوكه الغريب الخطر لحاجتها إلى الرفقة. جرّاح تجميل فشل في دراسة جراحة الأعصاب وعرف العوز. يجذب ثريات نيويورك الطامعات بشباب خالد، وينتهي بمأساة حين يلبّي طلباً غريباً لإحداهن.

نصف بلاد

* كتب ثلاث ثلاثيات في أربعين عاماً ختم الأخيرة فيها بـ «عظمتان متقاطعتان» الصادرة في بريطانيا عن «غرانتا». السياسة واجهة لا خلفية في أدب نورالدين فرح الذي يطول شرحه في حماسه لتعريف القارئ بالأحداث. الرواية هي الجزء الأخير في ثلاثية «ماضٍ ناقص» وتشهد عودة جبلة إلى مقديشو بعد اثني عشر عاماً. يصحبه صهره مالك الذي يعمل صحافياً مستقلاً في نيويورك، ويفاجأ الاثنان بهدوء غريب يفرضه رجال يرتدون الأثواب البيضاء ويحملون السياط. يزور الصومال أيضاً أهل، شقيق مالك، بحثاً عن تكسليل، ابن زوجته المراهق الذي غادر أميركا إلى بونتلاند للتدرب على مهمة انتحارية. يعود جبلة إلى أميركا قبل بضع ساعات من بدء الغزو الإثيوبي الذي دعمته الولايات المتحدة في 2006. كره الصوماليون أميركا، وحتى العلمانيون بينهم فضّلوا الإسلاميين على الغزاة.
تلتبس الهوية بين العائدين والمقيمين. لا يفهم مالك وأهل تعقيد العلاقات العائلية وأخطار الحرب، ويعاملان الصوماليين كغرباء أحياناً. نصف مالك صومالي ونصفه ماليزي، لكن همّه الأول الكتابة كغريب عن الحرب والفقر في عهد الميليشيات التي أدمن عناصرها على المخدرات، والحرب والفقر في ولاية الإسلاميين الذين قمعوا النساء وقتلوا المنشقين ودعموا القراصنة. لكن العنف يستدرجه، ويجعل المثقف المنفتح صقراً يؤمن به. يقابل أهل طبيباً سابقاً يعرض مساعدته في العثور على تكسليل مقابل تقديمه إلى مالك. يدافع عن القراصنة الذين لا يجنون الكثير من المال أو يؤذون رهائنهم، والذين بدأت قصتهم بصيادين حاولوا منع قُطّاع البحر الأجانب من الصيد في مياههم الإقليمية. يقول مالك إن الموت في الأدب يخدم دائماً غاية ما، ويجهد ليفهم الهدف من الموت الحقيقي. حين تعيش في حرب أهلية طويلة، تقول شخصية، تنأى عن ذاتك الطبيعية في غياب السلم.
عاش نورالدين فرح (67 سنة) بين الصومال وإثيوبيا، ودرس الفلسفة والأدب في الهند. وصف مقديشو في باكورته «من ضلع أعوج» بالمكان اللطيف المليء بالأشرار، وحين زارها في 1996 بعد غياب دام اثنين وعشرين عاماً اختطفه أمير حرب صغير ظنّه صحافياً ورغب في أن يمدحه. تدخّلت شقيقة المقاتل التي كانت طالبة سابقة لفرح، فأطلق شرط أن يلقي محاضرات. يصعقه دمار المدينة الكوزموبوليتية التي انحدر بعض أهلها من أصول فارسية وعربية وهندية. زوجته الأولى بنجابية لعب الشطرنج مع والدها، وحين صدرت فتوى الخميني بقتل سلمان رشدي دعم الكاتب الهندي بقوة. نسوي منذ روايته الأولى «من ضلع أعوج» التي استوحت «بيت الدمى» لهنريك إبسن، وتناولت بحث النساء عن هويتهن في وقت تعرّضن للبيع والشراء كالماشية، وفرض عليهن الختان. هاجم الرئيس محمد سياد بري في «إبرة عارية» فنصحه شقيقه بالبقاء خارج البلاد، وحُكم عليه بالإعدام غيابياً. كتب ثلاثيته الأولى عن الدكتاتوريين الأفارقة في «حليب حلو وحامض» و «سردين» و «أغلق يا سمسم». الثلاثية الثانية، «خرائط» و «هدايا» و «أسرار» تناولت حرب أوغادين والمجاعة والحرب الأهلية، وكتبها وهو يعاني من انهيار زواجه الثاني من نيجيرية بريطانية. يعلّم في جامعة مينيسوتا، وزار الصومال مراراً منذ منتصف التسعينات للتوسّط بين الجماعات المسلحة. بلاده مريضة، يقول، والكل يعتقد أنه طبيب. خطابه سياسي مباشر، ورأت «نيويورك تايمز» روايته الأخيرة تعليمية تصوّر الصومال اليوم في ظل حكم الشريعة.

أصولية العلماء

* قبيل عيد الميلاد ذكر ريتشارد دوكنز لقناة «الجزيرة» أن كون المرء كاثوليكياً أسوأ من تحرش الكهنة بالأطفال. قال العالم البيولوجي البريطاني إن ثمة درجات من التعرض لإساءة الكهنة، واستشهد بامرأة أميركية كتبت له عن تحرّش كاهن بها في سيارته حين كانت في السابعة. في تلك الفترة توفيت صديقة لها في السن نفسه فقيل لها إن الراحلة ستحترق إلى الأبد في نار جهنم لأنها بروتستنتية. قالت المرأة إن الإساءة الجسدية كانت مقرفة لكنها تجاوزتها، على أن الإساءة النفسية المتعلقة بالجحيم احتاجت إلى أعوام لتخطّيها. رأى العالِم أن القول للأطفال إن الخطأة يذهبون إلى جهنم حيث ينمو جلدهم بعد احتراقه ليحترق مجدّداً إلى الأبد يبدو له منطقياً إساءة أسوأ من التعرّض للتحرّش الجنسي، لأنها تتسبّب بكوابيس أكثر وألم أكبر نظراً إلى إيمانهم.
ثوّر دوكنز نظرية التطور الداروينية في 1976 حين نشر «الجين الأناني» واتسمّ إلحاده بعدائية مطّردة فأساء إلى الحياد المفترض للعالِم، وبدا كأنه في حاجة إلى اعتراف الخصم بصوابه. كيف يستطيع أي منا قياس الأذى الذي تلحقه تجربة ما بآخر، وأين الدقة في التوصل إلى استنتاج علمي حاسم استناداً إلى شهادة ملائمة لشخص واحد؟ يعجز كلا المؤمن والملحد عن البرهنة العلمية على إيمانه أو اعتقاده، وأولى بالاثنين قبول حرية المعتقد لدى الآخر كإحدى المبادرات الأساسية للمجتمع الديموقراطي، وإن لم يستطع احترام مضمون هذا المعتقد. وإلى أن يتوصّل دوكنز (71 سنة) إلى البرهنة عن إلحاده عليه الاكتفاء ربما بكون كتبه أكثر مبيعاً، «وهم الله» مثلاً الذي يؤكد أن الإيمان لاعقلي.
عالم بريطاني ملحد آخر وبّخ دوكنز على قتاليته ووجدها «أصولية». قال بيتر هيغز (83 سنة) في مقابلة مع الصحيفة الإسبانية «إل موندو» إن دوكنز يركّز هجماته على الأصوليين، وهناك الكثير من المؤمنين غير الأصوليين. «الأصولية مشكلة أخرى. أعني أن دوكنز نفسه أصولي بطريقة ما ومن نوع آخر». ذكر أن ثمة علماء مؤمنين كثراً في حقله، وهو ليس منهم لخلفيته العائلية ربما. ليست المرة الأولى التي يوجّه هذا الاتهام إلى العالم الدارويني، وفي 2007 ردّ على موقعه: «لا تخلطوا الشغف، الذي يتغيّر، بالأصولية التي لا تتغيّر بتاتاً».
هيغز مرشح لجائزة نوبل بعد اكتشاف علماء في سويسرا أخيراً صواب نظريته عن اكتساب الجزيئات الأساسية حجماً بعد خمسين عاماً على طرحه. في 1963 قال إن هناك جزيئات تشكّل جزءاً من حقل طاقة خفي يملأ الفراغ في الكون، وإننا ما كنا وجدنا لولا هذا الحقل أو ما يشبهه.
ـــــــــــــــــــ
المصدر: الحياة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق