لميس علي
ثقافة - الاثنين 16-12-2013
« كل
يوم يبني الأميركيون مواقع إلكترونية وصوراً مجسّمة وهم يجلسون على الكراسي التي
صنعت في الصين، ويعملون على كومبـــيوتر صنع في الصــين، ويتنقلون فوق جســـور
بنيت في الصين»..
على لسان إحدى شخصيات
عمله (صورة مجسمة للملك) يحرر الروائي الأمريكي ديف إيغرز أفكاره تلك.. ولعله يغزل
عبر أدبه الكثير من رؤاه.. ينطق حقائق موزعاً إياها في روايته.. لأنه، ببساطة،
يدرك واقعاً لا يراه الآخرون في بلاده.. واقعاً متمثلاً بتضاؤل وانمساخ حجم القدرة
الأمريكية في العالم.. واضمحلال إمكانية الفوز الفكري الثقافي فيها.
سهم النقد فيما يخط
من أعمال، يتوجّه للتشهير بمظاهر يراها خطرة وسيئة.. يُفترض أن لا توجد في بلدٍ
يدعي الحرية كأمريكا. هذا ما تنطق به أشهر أعماله.
ومؤخراً صدرت له
روايته «الدائرة» عن دار (هاميش هاملتن) في بريطانيا.. التي ينتقد فيها الاكتساح
الأعمى للانترنت واقتحامه شتى مجالات الحياة وصولاً إلى أخص خصوصيات الإنسان..
باستعراضه دخول الفتاة (مي) إحدى الشركات الأكثر امتلاكاً لأكبر شبكات «النت».. لا
تدرك أنها بدخولها هذه الشركة إنما تدخل دنيا أخطبوطية.. أفعوانية .. متشابكة
بعضها.. وتنتهي إلى محاصرة الفرد العامل فيها.. حيث خلط العام بالخاص.. إفشاء كل
الأسرار.. دون أدنى احترام لأي خصوصية إنما مطلق الانكشاف. تزيّف شركة «الدائرة»
معنى الشفافية بحجة إطلاق شعار الشفافية الذي تبتغي من ورائه معرفة كل شيء مهما
كبر أو صغر.. فمثلاً يجب أن تعلم بفعل من مستوى ذهاب (مي) برحلة على قارب هرباً من
ضغط الحياة.
هكذا تطاردها قوانين
«الدائرة» التي لعل تسميتها ليست أكثر من إيحاء بوجود دائرة تحيك بها.. تحبسها
بشبكة علاقاتها الافتراضية وقوانينها المنتهكة لكل خصوصية.. ليصل إيغرز إلى مجمل
غايته في هجاء التكنولوجيا.. التي يجعلها في عمله هذا تحيط بالبشر.. تطاردهم لكشف
كل مستور لديهم.
رؤية الصواب.. تضمن
التميّز.. أو لعل التميّز يتأتى من قدرة المرء على رؤية ما يراه الآخرون.
الخط البياني لمختلف
أعمال وكتابات ديف إيغرز توحي بحال كونه يهوى الخوض فيما يخالف السائد في مجتمعه.
في «دائرته» يُعلي من صوته انتقاداً لحمى التكنولوجيا المستشرية في عالم الغرب..
ويخوض أيضاً عبر عمله «زيتون» الذي صدر منذ العام 2009، الحائز على جائزة الباتروس
الألمانية لعام 2012، في البحث عن أوضاع الأميركيين المسلمين.. من خلال تتبعه لقصة
عبد الرحمن زيتون المواطن الأمريكي من أصل عربي.. صاحب شركة للرسم في مدينة نيو
أورليانز. أثناء إعصار كاترينا لا يسرع هرباً من الكارثة الطبيعية إنما يتنقل إلى
الأماكن التي غمرتها المياه ليساعد في إنقاذ سكانها.
يُعتقل فيما بعد، عبد
الرحمن زيتون على أيدي قوات الحرس الوطني دون ذكر سبب صريح.. وحقيقة الأمر أنه
يُعتقل ويُحبس لمدة (23) يوماً ليس لأي شيء سوى لأنه من أصول عربية مسلمة وعليه
وُجّهت له تهمة الانتماء إلى (القاعدة وطلبان) .
في أحد الأسئلة التي
وُجّهت لإيغرز عن الدافع وراء اقتفائه حكاية عائلة «زيتون» هذه.. يخبر أنه محرر
لسلسلة من الكتب غير الربحية بعنوان (صوت الشاهد) يستخدم فيها التاريخ الشفهي
لاكتشاف أزمة حقوق الإنسان.
همّه، إذاً، ملاحقة
حقوق الإنسان.. مطلق إنسان. ويتعرف بوجود جهل واضح، ومنذ أحداث الحادي عشر من
أيلول، في الإجابة عن سؤال «من هم المسلمون».
لم يكن كتاب (زيتون)
نتاجه الوحيد الذي يُحيل القارئ إلى عوالم الشرق من خلال إيجاده لبطل من أصل عربي
سوري.. حيث يذهب بطلٌ آخر من أبطاله إلى رقعة جغرافية عربية «السعودية» في عمله
(صورة مجسمة للملك).. وهو ذاته تعاون مع اللاجئ السوداني «فالنتينو أشق دنغ»
لإنتاج كتابه الثالث (ماذا في الماذا) ويتحدث عن رحلة هذا الأخير في أميركا. خصص
إيغرز ريع (ماذا في الماذا) لمدرسة أسسها «دنغ».. وهو مشارك في إنشاء منظمة
(فالنسيا 826) الخيرية المختصة بتعليم المحرومين في تسع مدن أمريكية. أنشأ مجلتين
يحرر إحداها والأخرى (مايت) مع الأصدقاء.
وُلد ديف إيغرز عام
1971، في شيكاغو الأمريكية. أنشأ عام 1993، مجلة (مايت) ليلحقها بتأسيس دار «مك
سونيز» للنشر المستقلة.. يُصدر من خلالها كتبه. أول أعماله كان عام 2001، (العمل
المزعج والعبقرية العالية) الذي ترشح لجائزة بوليتزر عام 2000.
تتنوّع كتابات إيغرز
من سيناريوهات إلى قصص قصيرة وروايات ومؤلفات غير أدبية. قام مع أسرة «زيتون»
بإنشاء (مؤسسة زيتون) لمساعدة ضحايا كاترينا ولا يتقاضى أي نقود لقاء أتعابه.. كما
أعلن أنه لن يستفيد من قصتهم مادياً.. بل يريد أن تذهب الأرباح إلى المنظمات غير
الربحية .
بنموذج أدبي مثل
إيغرز تُعاد صورة المبدع الذي يُطابق ما بين الفعل والقول.. نموذج حرٌ من أسر
المال.. وفوضى التكنولوجيا.. يمارس الأدب كناطق فعلي عن كل ما يمور بالحياة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر : الثورة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر : الثورة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق