الأربعاء، 27 يوليو 2016

في رواية (الوليمة المتنقلة) لأرنست همنغواي

بغداد/ أوراق
تاريخ النشر: 21-02-2015

الكاتب في سطور
ولد الكاتب الأميركي أرنست همنغواي في 21 تموز عام 1899 بمدينة اوك بارك من اسرة برجوازية مثقفة.. بدأ حياته الصحفية في جريدة (كونساس سيتي) بعد تجارب حياتية اكتسبها من خلال نشاطه الصحفي، إذ مكنه هذا العمل من تغطية أحداث هامة اثناء تنقله في البلدان الأوروبية..

شارك في الحرب العالمية الثانية، وانغمر الى جانب الجمهوريين في الحرب الأهلية الاسبانية، وقضى شطراً طويلاً من حياته في كوبا.. يعد همنغواي من اشهر الروائيين الذين يتمتعون بشخصية أدبية نافذة وخيال خصب وتحليل عميق ووصف دقيق، وكان له اثر كبير في الأدب الروائي العالمي خلال النصف الأول من القرن العشرين.. عاش حياة مفعة بالنشاط الانساني والتدفق الابداعي، وحين احس بتراجع ذلك النشاط وضع حداً لحياته بالانتحار.. وهو الحائز على جائزة نوبل للآداب، كتب روايته هذه قُبيل انتحاره سنة 1961 وكان في الثانية والستين من عمره، وقد نشرت بعد وفاته مكتسبة عنوانها من رسالة بعث بها الى صديق له يقول فيها: إذا وافاك الحظّ بما فيه الكفاية لتعيش في باريس وأنتَ شاب، فإن ذكراها ستبقى معك أينما ذهبت طوال حياتِك، لأن باريس وليمة متنقّلة.


اجواء الشتاء تذرف دموعاً غزيرة تكاد تغرق معالم مدينة باريس الحزينة، كما يصفها همنغواي في روايته (الوليمة المتنقلة) الصادرة عن دار (المدى) للثقافة والنشر بترجمة علي القاسمي، راوياً سيرته الذاتية.. فهو الكاتب والبطل الذي يسرد لنا علاقاته مع زملائه الأدباء وأخبارهم وطرائفهم وأسرارهم، مشيراً الى المقهى الذي يقضي فيه وقتاً طويلاً حيث يكتب قصصه على صفحات دفتر صغير، ويأكل المحار ويشرب النبيذ. ويلفت انتباهنا الى انه يسكن غرفة يتوجب عليه ان يرتقي ثمانية طوابق لبلوغها في الفندق الذي لفظ فيه الشاعر فرلين أنفاسه الأخيرة. ويصف لنا اجواء المدينة ومعاملها باسلوب ساحر، وساخر تهكمي احياناً كوصفه للمكان الذي تقع فيه مقهى الهواة.. كانت باريس تعيش أجمل أيامها بعد الحرب العالمية الأولى، تعج بالحركات الفنية والمدارس الأدبية والمذاهب الفلسفية الجديدة. لذا قصدها كثير من أدباء إنجلترة وأميركا للإقامة فيها مثل الشاعر عزرا باوند، وتي س إليوت صاحب قصيدة الأرض اليباب التي تعد نقلة نوعية كبرى في الشعر الإنجليزي في القرن العشرين، والروائي الإيرلندي جيمس جويس صاحب رواية يوليسيس التي توصَف بأنها أعظم رواية في الأدب العالمي خلال القرن العشرين، والروائي الأميركي الشهير سكوت فتزجيرالد، صاحب رواية غاتسبي العظيم والتي تعد أفضل رواية ايضاً، والناقدة الروائية غيرتيتيود شتاين، والرسام باسين، والكاتب فورد مادوكس، وغيرهم. منوهاً الى ان الشاعر عزرا باوند لا يعرف الفرنسية ولم يقرأ الأدب الفرنسي، والكاتبة غيرتيتيود شتاين سحاقية تمارس الجنس مع كاتبتها، والشاعر الأميركي إرنست والش يعيش على ما يكسبه من موائد القمار وليس على ما تدره عليه قصائده، ومجلة دايل الأدبية الأميركية تعلن عن جائزة أدبية وهمية ويوحي محررها إلى كل أديب على حدة بأنّه سينالها، وعزرا باوند يجمع المال من الأدباء لمساعدة تي أس إليوت على التخلي عن وظيفته البسيطة في مصرف لندني والإقامة في باريس ليتفرغ لكتابة الشعر، ثم يتولى عزرا باوند إعادة كتابة ثلث قصيدة الأرض اليباب، والرسام البريطاني الشهير وندهام لويس يأتي بين الفينة والأخرى إلى باريس ليأخذ مقاييس اللوحات الجيدة ويعود إلى لندن ليرسمها ويقلدها، وزيلدة زوجة الروائي سكوت فيتزجيرالد مجنونة وتتسلّى بتعذيب زوجها، وهمنغواي ينغمس في علاقة جانبية مع فتاة، وتجد زوجته نفسها في حالة تتيح استغلها من قبل الأغنياء الذين يصفهم بأنهم يبعثون بنوع من الطعم يلج حياة الناس بجميع مفاصلها السياسية والاجتماعية والثقافية والفنية ويغادرها بالطريقة نفسها كما دخلها. ويقول: قبل مجيء هؤلاء الأغنياء تسلل إلينا شخص غني على هيئة امرأة شابة غير متزوجة، اصبحت بصورة مؤقتة صديقة حميمة لامرأة شابة أخرى متزوجة، واخذت تعيش مع الزوج والزوجة، ثم وبصورة عفوية بريئة عملت بلا هوادة للاقتران بالزوج. منوهاً الى انه وزوجته كانا ضحية هذه الخطة، عندما يكون الزوج كاتباً ويقوم بعمل صعب يستغرق جل وقته ولا يستطيع ان يكون رفيقاً او شريكاً جيداً لزوجته معظم اليوم فان ذلك الترتيب له فوائده حتى تدرك الغرض منه، فيصبح الزوج محاطاً باثنتين حين ينتهي من عمله. لافتاً الى ان الأمر يبدو ممتعاً ومثيراً، وان جميع الأمور الشريرة تبدأ من البراءة.. وبذلك يبث همنغواي المعلومات في هذه الرواية متفرقة بطريقة ذكية لا يحس بها القارئ العادي. فيخبرنا مثلاً أين كان يزاول فعل الكتابة، وفي أي ساعة من ساعات اليوم، وكيف تعلّم من مدارس الرسم الفرنسية وطبّقه على الكتابة، والطريقة التي يبدأ بها عباراته، وما يحذف من الحكاية الأصلية وما يُبقي منها، وكيف مارس في بداية شبابه العمل كمراسل صحفي، ثم قرر التفرغ للكتابة الإبداعية وتعلُّم تقنياتها.. ويشير في آخر الرواية الى ان الذكريات في باريس ليست لها نهاية، وهي مختلفة من شخص لآخر. فيقول: كنا نعود اليها في كل الاحوال الصعبة او السهلة، فباريس تستحق ذلك دائماً، وهي تمنحك مقابلاً لما تاتي به اليها.  


 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر : المدي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق