الأربعاء، 20 يوليو 2016

الشعر أنقذ حياة الأميركي سام هاميل

عمّان - عمر شبانة 

تاريخ النشر: 23 سبتمبر 2015


يرى الشاعر الأميركيّ سام هاميل أنّ «الشعر في ازدهار مستمر في الولايات المتحدة»، لذا فهو يقول للشعراء دائماً «من واجبنا أن يؤثر شعرنا في حياة كل من حولنا لنغيّر حياتهم إلى أفضل». والشاعر هاميل الذي ترجمتْ له الشاعرة المصرية أمل جمال حتى الآن مجموعتين شعريتين، يُعَدّ واحداً من أهم شعراء أميركا المعاصرين، فضلاً عن انحيازه إلى المعاناة الإنسانية في أي مكان في العالم. وهو أخيراً، لا آخراً، الشاعر الأميركي الذي وقف ضدّ الحروب ومفاسد العصر، وقد تجسّد موقفه في تأسيسه لموقع «شعراء ضدّ الحرب» الذي نشر الآلاف من القصائد ضد الحرب على العراق في 2003 لشعراء من دول عدة حول العالم.

نستعيد هذا الشاعر، عربيّاً، مع صدور ترجمة الكتاب الثاني له الذي حمل عنوان «يُقاس بالحجر»، ضمن «سلسلة الشعر» (العدد 2444) عن المركز القومي للترجمة- القاهرة، وقد أنجزت الترجمة الشاعرة المصرية أمل جمال. الكتاب الذي جاء ثانياً بعد كتاب «الجَنّةُ تقريباً»، بترجمة الشاعرة نفسها، يضم ثلاث عشرة قصيدة مختارة من كتاب للشاعر بالعنوان نفسه «يُقاس بالحجر»، حيث تظهر المواقف الواضحة للشاعر من الحرب على العراق، وما يحدث في فلسطين، المواقف التي كثيراً ما عرّضته لمواجهة الإدارة الأميركية وإعلامها ورئيسها بوش، الذي كاد أن يقدّمه للمحاكمة تحت طائلة قانون الوطنية الذي ابتكرته تلك الإدارة.

نتحدّث هنا عن الشاعر الذي ألّف ما يقرب من أربعين كتاباً، في الشعر والترجمات من الصينية واليابانية، وقام بالتدريس في السجون لمدة خمسة عشر عاماً بشكل تطوعي غير مدفوع الأجر، وعمل مع الأطفال والنساء الذين تعرضوا للعنف وسوء المعاملة، ومع ذوي الاحتياجات الخاصة، كما عمل صحافيّاً يكتب العمود الثابت في غير صحيفة، ناقداً وعارضاً للكتب والأعمال الفنية، ثمّ قام بتأسيس موقع «شعراء ضد الحرب». ذلك كلّه، وغيره الكثير، جعل من سام هذا الشاعر المتميّز في المشهد الشعريّ الأميركيّ والعالميّ، وينتقل إلى ساحتنا، بجهد الشاعرة أمل جمال.

الشاعرة المترجمة قدّمت لـ»الحياة» قراءتها لتجربة الشاعر، من خلال علاقة شخصيّة وثقافية/ شعرية جمعتها به، تقول الشاعرة إنها «نشرت قصائد في موقع «شعراء ضد الحرب» الذي أسسه سام، وكانت بيننا إيميلات، حيث أرسل لي نماذج من قصائده، وترجمت واحدة من باب المحبة، وكانت عن عيد ميلاده، وفيها فلسفة جميلة، وأرسلتها له من باب الصداقة. بعدها بسنوات دُعي سام من قبل المجلس الأعلى للثقافة إلى مؤتمر الشعر العالمي في القاهرة (دورة صلاح عبد الصبور2007)، فتبين أن التنسيق كان متعثراً فتوليت الأمر، وحضر المؤتمر، ثم زارنا في بيتنا وأحضر لنا كتبه. وبعد فترة طلب مني أن أترجم له عدداً من القصائد لتصاحب قراءته في مهرجان المتنبي في زيوريخ بسويسرا وترجمتها بالفعل. بعدها بفترة فكرت في عمل مختارات من ديوانه «الجنة تقريباً»، وأثناء ترجمتي أرسل إليّ ديوانه الجديد «يقاس بالحجر»، فأحببته واخترت مجموعة من القصائد ليكون خير تمثيل لتقديم سام للساحة العربية لأول مرة في كتاب».

وعن سبب اختيارها هذا الشاعر لترجمته، تقول أمل: «لأنه شاعر ملهم وعلامة كبيرة في الشعر الأميركي، ولأن حياته ملهِمة في شكل عام. دائماً يقول الشعر أنقذ حياتي. هذا الإنسان بدأ حياته طفلاً تبنّته أسرة قاسية من سن 3 سنوات في الحرب العالمية الثانية، وعاش هروب للشوارع، وحياة مليئة برائحة المخدرات وسرقة السيارات، ثم معاقبته بتأدية خدمة عسكرية في قوات المارينز وحياة الجيش الخشنة، وانتقاله لقراءة ألبير كامو وأفكاره التي جعلت سام يضع السلاح ويقرر أن يكون إنساناً آخر، ويقف ضد الحرب والدماء. ثم يكمل تعليمه الجامعيّ بكاليفورنيا، وليغدو سام هاميل على ما هو عليه الآن».

مختارات أمل هذه من كتاب الشاعر، خضعت لذائقة مستساغة عربيّاً، من دون أن تتخلّى عن شاعرية الاختيار وشعريّته، وعن هذا الجانب تقول أمل «قدّمتُ من أعمال سام ما يتفق مع ذائقتنا العربية... لأنني أؤمن أن قصائده السياسية والإنسانية جديرة بتسليط الضوء عليها بدلاً من ترجمة الكتاب بشكل كليّ فنتوه في أسماء الفلاسفة البوذيين ونبتعد عن جوهر فكره. أنا سأقوم بترجمة الكتب في شكل كامل في مرحلة لاحقة. لكن في البداية كان لا بدّ من إجادة تقديم جوهر كتابته وفكره الذي يحتفي بالإنسانية جمعاء، ثم تقديمه بشكل كامل بعد أن يكون الاسم قد ترسخ لدينا».

ربّما كانت قصيدة «أميركا حبيبتي- سبتمبر 2003» المهداة إلى الشاعر العراقى صلاح الحمداني (مواليد 1951، ويقيم في باريس منذ 1975)، من أكثر قصائد سام هاميل اقتراباً من الروح العربية عموماً والعراقية خصوصاً، القصيدة التي يتغنّى فيها الشاعر الأميركيّ بالحرية والحب، من خلال اسم الشاعر العراقيّ، ويجمع فيها بين فاشيّة أميركا وطاغية بغداد «صلاح الحمداني، اسمك وأغنيتك صلاتي/ الفاشيّ في البيت الأبيض لا يسمع، ولا يرى وجوه المعاناة التي ابتكرها/ وكذلك أخوه، الطاغية صدام الذي ظل مختبئاً وإصبعه لا يزال على الزناد/ ولكن الشاعر من بغداد لا يزال في المنفى/ في باريس/ ولعشرين عاماً لم يُجْرِ مكالمة تلفونية إلى بلده ليكلم أمَّه/ وفي بياشنزا يغني «بغداد حبيبتي»...».

لكنّ جماليّات هذه القصيدة وروحها العراقية، لا تحجبان روحها الإنسانية، هذه الروح التي تمتدُّ إلى فلسطين عبر لقاء الشاعر الفلسطينيّ الراحل (لاحقاً) في قريته المألوفة «هنا في الطريق إلى راما/ آمل أن أجد أخي/ الشاعر سميح القاسم»، ثم تتمدّد لتبلغ أمداء جديدة في الإنسانية، تلتقي في «صرخات من القدس» و «صرخات أخرى من أفغانستان»، وحيث البشرية تصرخ في نشيد واحد «لا نملك إلا أغانينا/ لنقف ضد عرش القيصر ودعوته للدماء...»، وحيث الشاعر يتذكّر ويصرخ «أنا أيضاً ولدت في الحرب العالمية (الثانية)/ عشت وكتبت ضد هذا الغباء الشديد/ والعبث، والألم الذي لا طائل منه».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: الحياة اللندنية


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق