وجاهات علي(*)
تاريخ النشر:
السبت 29 أغسطس 2009
يؤمن بالقدر ولديه
حوافز كثيرة لفعل الخير
لا يُبرِز الاسم
العربي «زيتون» وبشكل فوري صورة بطل أميركي مثالي. لكن في رواية ديف إيغرز
الجديدة، يقدّم عبدالرحمن زيتون، الأميركي المسلم، أفضل القيم الأميركية بفخر.
يبرز زيتون على شكل «سامري حنون» لا يخاف شيئاً، يبقى في مدينة نيو أورليانز في
لويزيانا بعد أن غادرها الجميع أمام هجمة إعصار كاترينا في أغسطس 2005، ليقدم
العون لجيرانه دون أن يفكر بنفسه.
ورغم جهوده البطولية،
يتعرض زيتون وأصدقاؤه لاتهامات حكومته زوراً وبهتاناً، بعد مشاهدتهم في أحد
العقارات التي يملكها ويقوم بتأجيرها، فتقوم الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ
باعتقاله وأصدقائه وتتهمهم بأنهم أعضاء في «طالبان» و»القاعدة»، وتحتجزهم بوحشية
لأسابيع طويلة. وقد روى زيتون، في مقابلة أجراها معه «ديف إيغرز»، رحلته العجيبة
وتاريخ عائلته المثير. وديف إيغرز هو محرر لسلسلة من الكتب غير الربحية عنوانها
«صوت الشاهد»، يستخدم فيها التاريخ الشفهي لاستكشاف أزمة حقوق الإنسان. كان الكتاب
الثاني في السلسلة عن كاترينا والسكان الذين جرى تجاهلهم قبل العاصفة وبعدها.
وإحدى قصص الكتاب عن عائلة زيتون. لكن هل تخلق قصص، كهذه، جسوراً من التفاهم، بحيث
يدرك أناس مثل الرجال الذين اعتقلوا عبدالرحمن زيتون تدريجياً أنه حتى أفراد عائلة
زيتون المسلمين هم مواطنون أميركيون؟ يقول إيغرز: أعتقد أن ذلك يتم من خلال القصص.
كنت أسعى في الصفحات السبعين الأولى من الكتاب، قبل العاصفة وقبل أن نشعر برياح
كاترينا لأن أسرد فقط قصة عن أسرة أميركية صادف أنها مسلمة. أعتقد أن الأمر مخيف
إلى حدٍ كبير، فرغم وجود بحث متواصل منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر عن الإسلام في
الإعلام الأميركي، وطرح أسئلة مثل: «من هم المسلمون؟» و«ماذا يريدون؟»... مازال
هناك كمّ هائل من الجهل وسوء الفهم حول هذه المجموعة. كانت قراءة القرآن الكريم
عملية منوّرة إلى درجة بعيدة. تمكنت من الحصول على ترجمة ممتازة قام بها «لالي
بختيار»، فتحت لي سبل جمال العقيدة الإسلامية بأسلوب لم يتوافر في أي ترجمة أو
تفسير للنص من قبل. وبالطبع، تجد في القرآن الكريم، وبكل وضوح، أن الإسلام كرس
السلام والعدالة الاجتماعية. لدى عبدالرحمن حوافز عديدة لمساعدة من هم بحاجة
للمساعدة: إيمانه وشعوره بالواجب كجار، وكأميركي، ورغبته في تكريم ذكرى أخيه محمد.
ويسأل نفسه عندما يتم سجنه بغير وجه حق، ما إذا كان حظه العاثر أو أنانيته هما
اللذان فرضا عليه البقاء عندما كان الآخرون يغادرون المنطقة. لماذا تعتقد أنه فعل
ذلك؟ أولاً، لا تستطيع أن تهز هذا الشخص أو تخيفه. لقد رأى الكثير في حياته، بعد
أن طاف العالم على سفن تجارية. لقد شهد الكثير من العواصف، ويذكر وجوده على جزيرة
أرواد على الساحل السوري، حيث كانت تقيم جدته، عندما اكتسحتها المياه. إنه إنسان
يؤمن بالقدر وبوجود مخطط رئيسي. لقد فكر: «هذه إرادة الله تعالى، وقد أوجدني هنا
لسبب محدد». عندما تصل القصة إلى الجزء الخاص بحظه العاثر، حسناً، عندما يتم سجنك
يصبح لديك الكثير من الوقت للتفكير. وقتها عاد زيتون للتفكير، «هل أسأت فهم
مكاني؟». هنا تتداخل قصة أخيه محمد الذي كان واحداً من أشهر السبّاحين السوريين في
التاريخ. لذا يوجد لدى عبدالرحمن الكثير من المبادئ التي شعر أنه يجب الحفاظ
عليها، وشعر الكثير من إخوته ومن في عمره بالشيء نفسه. أعتقد أن هذا هو ما جال
بخاطره عندما كتبت عنه وعن تنقله في المدينة، مفكراً: «هذه هي فرصتي لأحافظ على
اسم زيتون». رغم مأساة إعصار كاترينا والظلم الكامن في الموضوع برمّته، تخرج أسرته
من هذه المحنة وكلها أمل. قمت مع أسرة زيتون بإنشاء «مؤسسة زيتون»، وهي منظمة غير
ربحية تم إيجادها لمساعدة ضحايا كاترينا ومواطني لويزيانا. أخبرتهم منذ البداية
أنني لا أريد نقوداً مقابل أتعابي ولن أستفيد من قصتهم بأي أسلوب مادي. شعرت فقط
بوجوب أن تذهب الأموال مباشرة إلى منظمات غير ربحية وأسر تحتاجها. سوف تكون «مؤسسة
زيتون» مؤسسة صغيرة، تعمل فقط كقناة للتبرع بعائدات الكتاب لأعمال خيرية معينة،
بما فيها الجمعية الأميركية المسلمة والمعونة الإسلامية والبناء معاً، مما يساعد
على عودة النازحين إلى بيوتهم في نيو أورليانز. يمكن تحقيق نتائج مفيدة وملموسة،
الأمر الذي يسمح لأسرة زيتون أن تشعر أن شيئاً جيداً قد نتج عن معاناتهم.
(*)وجاهات علي محامٍ
وكاتب سيناريو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر : الاتحاد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق