رشا المالح
تاريخ النشر:
يعتبر الروائي
والكاتب المسرحي والناقد الاجتماعي هاري سينكلير لويس الذي اشتهر برواياته
الاجتماعية الناقدة، أول أميركي يحصل على جائزة نوبل للآداب وذلك في عام 1930
ويبلغ ما قدمه من أعمال اثنتين وعشرين رواية وثلاث مسرحيات.
ولد لويس في قرية في البراري في قلب مينيسوتا، وهو الابن الثالث لطبيب الضاحية
توفيت والدته بالسل حينما كان في السادسة من عمره وكانت زوجة أبيه بمثابة أم ثانية
له،
وعلى الرغم من ذلك كانت حياته بمثابة مأساة بسبب شكله الغريب وشعره الأحمر وبشرته
السيئة في سن الثالثة عشرة، هرب سنكلير من المنزل ليصبح ضاربا على الطبل في الحرب
الأميركية الاسبانية،غير أن والده استطاع الإمساك به عند محطة القطار وأعاده إلى
البيت.
بدأ لويس بالمواظبة على كتابة مذكراته منذ عمر مبكر، وكتب قصائد رومانسية وقصصا عن
الفرسان والسيدات الجميلات، وقبل عام 1921 كان قد نشر ست روايات في عام 1902 التحق
بأكاديمية أوبريلين، ثم انتقل إلى جامعة يال وشارك في مجلة الجامعة.
وفي إحدى العطل الصيفية سافر إلى انجلترا بقارب خاص بالماشية، وفي عام آخر وبسبب
ضيقة من الدراسة ذهب إلى بنما باحثا عن عمل في القنال، ثم بدأ العمل بعد ذلك ككاتب
في نيويورك عام 1906.
بعد نشره لروايتين تفرغ لويس للكتابة وحظي بشهرة واسعة حينما أصدر روايته «الشارع
الرئيسي» في خريف عام 1920، وفي أعياد الميلاد كانت روايته الأولى على قائمة الكتب
الأكثر مبيعاً.
وبسبب المأساة التي تعرض لها أعز أصدقائه الذي أودع السجن بعد قتله لزوجته، مر
بمرحلة نفسية سيئة وأراد لنفسه أن يعيش حياة بوهيمية إلا أن جميع محاولاته باءت
بالفشل وعاد إلى طبيعته الهادئة بعد حين وإن بات مسرفاً في شرب الكحول.
وفي مرحلة الثلاثينات كرس لويس اهتمامه على المسرح وكان آخر عمل ضخم له «لا يمكن
أن يحصل ذلك هنا» عام 1935، ويتحدث فيه عن محاولة انقلاب للفاشيين في أميركا. وفي
الحقبة التالية استمر بمزاولة عاداته في الكتابة، حيث كان ينجز كتابه في شهر
وبعدها يقوم بكل شيء حتى يصبح مستعدا للبدء بكتاب جديد.
عشق الحياة المرفهة وأحاط نفسه بكل ما هو جميل، وحينما تعلق بفتاة شابة انفصل عن
زوجته الثانية عام 1932، وبعد مضي عامين توفي ابنه ويلز من زواجه الأول في الحرب
العالمية الثانية في معركة في فرنسا.
وعلى الرغم من استمراره في الكتابة في العشرين عاما التالية، إلا أن عددا قليلا من
رواياته أثار اهتمام شريحة واسعة من القراء، وتناول في أعماله الأخيرة موضوع
التمييز العنصري.
وأمضى السنوات الخمس الأخيرة من حياته في أوروبا حيث تدهورت صحته بسبب إدمانه على
الكحول والحساسية الجلدية التي كانت تجعله نافد الصبر وفي المرحلة الأخيرة كان
يعين السكرتيرات ليلعبن معه الشطرنج ويبعدن عنه شبح الوحدة. وتوفي في 10 يناير عام
1951 وحيدا في روما، وآخر رواية له كانت «العالم كبير جدا» ونشرت بعد وفاته.
وروايته «الشارع الرئيسي» التي حاز بفضلها على جائزة نوبل، أشبه بدراسة واقعية
لسكان ضاحية عقولهم ضيقة الأفق. وهي حكاية منطقة وشارع يمكن أن يتواجدا في أي بلد
كان، محلات رخيصة، وأبنية قبيحة، ومواطنون محكومون بالأعراف والتقاليد.
يتمحور العمل الذي تدور أحداثه عام 1912، حول أربع شخصيات رئيسية هم بالإضافة إلى
البطلة الشابة كارول كينيكوت وصديقها المدرس والناقد فيدا شرون ووذرسبون، زوج
كارول الدكتور ويل كينيكوت وصديقه المقرب ذو الفكر الاشتراكي التاجر سام كلارك.
تتحدث الرواية عن البطلة الشابة كارول كينيكوت، المتعلمة المحبة للثقافة التي تحب
زوجها الطبيب بما يكفي لتنتقل معه إلى مدينة صغيرة تدعى غوفر بريري وتقع في منتصف
غرب أميركا.
كان لويس يرغب في البداية بكتابة قصة بسيطة عن التمايز الطبقي للمواطنين في تلك
المدينة المعزولة، مع عرض لبعض من تجاربه الشخصية خلال حياته في مدينته حيث ولد،
إلا أن ما انتهى به هو كتاب فاجأ الشعب الأميركي بحقيقة الحياة التي يعيشها سكان
الضواحي.
تمثل حلم كارول حينما انتقلت إلى تلك المدينة بتغييرها وتحويلها إلى مدينة كبيرة
متميزة. وعزمت أمرها على تغيير فكر السكان وعاداتهم التي كانت بنظرها متأخرة
وبالية.
قوبل اندفاعها وحماسها من قبل السكان بالشك والريبة. وما يبرزه هنا لويس هو أنه
على الرغم من طموحات كارول العظيمة لاسيما فيما يتعلق بالعنصرية، فقد أدت أساليبها
في التعامل مع هذه المشكلة إلى سوء الفهم بين الطرفين.
وتحاول من خلال رؤيتها الطموحة تحويل هذه المدينة إلى مينيسوتا أخرى، وتتواصل مع
الأفراد والهيئات لتحقيق رؤيتها، لتكتشف بعد حين أن الحديث فيما يتعلق بالسياسية
وبالعدالة في توزيع الأرباح من المحرمات لاسيما في الاجتماعات الخاصة بالنساء.
وعلى عكس كارول قنع صديقها فيدا من التغيير بتأسيس مدرسة جديدة فقط.
ولم تملك أية شخصية في الرواية الوصفة السحرية للأسلوب الأمثل للحياة الذي على
الناس إتباعه، وعلى الرغم من ذلك كان الجميع متمكنين من إدارة حياتهم ضمن قوقعتهم
الخاصة. وهنا يدرك القاريء على الرغم من تعاطفه مع كارول، بأن تحجر فكر الناس
حقيقة بمثابة حاجز من المستحيل اختراقه.
وهكذا تفشل كارول في تغيير فكر السكان، ونتيجة لذلك ترتبط بعلاقات عاطفية عابرة،
وتغادر مع أحدهم. ومن خلال صراعاتها المختلفة تبدأ بإدراك أهمية الانتماء إلى
عائلة ومجتمع وبأن هذا الشعور هو حاجة إنسانية ملازمة له.
وعلى صعيد التمايز الطبقي، يتقبل المجتمع الارستقراطي للمدينة الطبيب في مجتمعه
لمهنته، إنما يرفض قبول صديقه التاجر ونظرا للصداقة الوطيدة التي تربط الطبيب بسام
كلارك، يبادر الأخير باستقبال صديقه مع عروسه في محطة القطار ويقلهما إلى المنزل
ويبذل مع زوجته ما في وسعهما للترحيب بكارول.
ومع مضي الوقت تبدأ كارول بالنفور من سام المدخن الذي يبصق التنباك بعد مضغه،
وبعدها من زوجها وعاداته التي تحاول تغييرها مثل استحمامه مرة في الأسبوع وحلاقة
ذقنه كل ثلاثة أيام، مع عدم تلميع حذائه أو الاهتمام بملابسه.
وفي نهاية الرواية تواجه كارول زوجها بقولها «أنت تملك حقا عليّ إن كنت قادرا على
الاحتفاظ بي. هل تستطيع ذلك؟»، وعليه يبدأ ويل ببذل المزيد من الجهود وبصورة هادئة
لاستعادتها، كما يتبع الصديق الوفي سام متطلبات زوجة صديقه أيضا.
وهكذا يبدأ ميزانا جديدا للعلاقات بالظهور في غوفر بريري وعندما تنجب كارول ابنة
تتملكها رؤيا جديدة تمتد إلى المستقبل البعيد حتى عام 2000، وتبدأ بتخيل العالم
الجديد الذي يمكن أن تصل فيه الطائرات إلى كوكب المريخ. وهكذا يتعايش مجتمع هذه
المدينة مع كارول وبالعكس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق