الجمعة، 15 يوليو 2016

للتاريخ : من هو سلام الأسدي؟ و كيف اختاره الشاعر الأمريكي سام هميل SAM HAMILL لكتابه “شعراء ضد الحرب”؟

أ.د. صالح جواد الطعمة

تاريخ النشر: 14-02-2014

(1)

أعترف سلفاً بأني لا أعرف الشيء الكثير عن الشاعر حتى ساعة إعداد هذه الكلمة،بالرغم من قيامي ببعض المحاولات  للتعرف على خلفيته واعماله.   ولم أكن أعرف شيئاً عنه  قبل عشرين عاماً تقريباً حين اخترت إحدى قصائده للترجمة الى الانكليزية كجزء من مشروع يركز على الشعراء العراقيين في المنافي الغربية. كل ما كنت اعرفه انه كان احد اللاجئين في معسكر الرفحاء (السعودية) وكان ينشر بعض قصائده  في مجلة “الاغتراب الأدبي” الرائدة في حقل أدب المنفى و المتميزة بثروة موادها حول ادب المغتربين.  تلك المجلة التي كان يصدرها لسنوات الشاعرالدكتور صلاح نيازي وزوجته الروائية سميرة المانع،على نفقتهما الشخصية لم يكتب لها ان تواصل دورها التاريخي مع الاسف بعد صدور خمسين عدداً منها لاسباب اقتصادية.
كان للمجلة الفضل في متابعتي ادباء المنفى ووقوفي على قصيدة الاسدي ” من شتات الذاكرة 1-ذاكرة الطين و2-البارود” المنشورة في العدد الثامن والعشرين (1994) من المجلة حيث فوجئت بنبأ وفاته كما جاء في التعليق التالي:
أثناء إعداد هذا العدد فوجئنا بوفاة الشاعر الشاب سلام الأسدي وكان المرحوم سلام من الذين شاركوا في الانتفاضة بالعراق ومن ثم أصبح لاجئاً في رفحاء بالسعودية وبعدها رحل إلى أمريكا لاجئاً أيضاً وهناك فقد حياته في حادث اصطدام سيارة.” (الاغتراب الادبي28  1994/ص43).
سلام الأسدي إذن شاعر شاب (علمت فيما بعد أنه من مواليد [1963]، عاش محنة العراق شاهداً لحرب أمريكا على وطنه وشاعراً جسّد – بصفة خاصة – ما أصاب مدينة الناصرية من آثار تلك الحرب الوحشية وعانى ما عاناه متشرداً مكرها على الهرب من كوابيس وطنه واختياره ملجأ عربيأ صحراوياً أو منفى امريكياً لم يهبه الخلاص.

(2)

نص القصيدة
الشاعر الراحل سلام الأسدي
الأول من اليمين
 (الصورة بواسطة د. صالح الطعمة
ومن أرشيف د. حيدر الكعبي ،
فشكرا لهما)
من شتات الذاكرة
في الذكرى المأساوية الثالثة لذريعة
عاصفة الصحراء

-1-
ذاكرة الطين
الليلُ.. خُرافةٌ هابطة
غابةُ ثلجٍ أسود
سماءُ من الطين تنفثُ رمادها الأخرس على جميع البيوت!
إذن، هكذا نبدو: كمزيج دمعٍ وغبار..
لا فرق بينَ عيونِ صغارنا الهلعة وجراح النخيل.
بين صمتِ صفوف المدارسِ الفارغة، ،ودمدمةٍ
كئيبةٍ لوجومِ “الفرات”.
لا فرق بين اللهاث المُر، ، كدر النفوسِ الذاوية، ،
دخان الأشجار، ، دوي الطائرات ………
أو بين أشلاء الاجساد وقد ابتلعها الطمّيُ فيما
عباءات النسوة [ الغريقات!!]*1  بقعاً مرتعشةً
سوداء تطفو بذهول على صفحة النهر
النهر الذي فجعته الكارثةُ هو الآخر!
عصفٌ يجر ” كلَ الأشياء ” إلى قاع هاويةٍ سحيقة..
عويلُ الكائناتِ، ركامَ المباني، شحوب الوجوه، أحشاء القتلى
تساؤل العيون، اضطراب النخيل!، جثث الأطفال
ارتعاش العصافير وقد أُغلقت دون أنفاسها الآفاق!؟

-2-

البارودُ
البارودُ الداكنُ… أي رائحةٍ تطمرُ الشوراع بدهشةٍ
عنيفةٍ قاسية..
لا قلوب لنا، سوى أجنحة باكية حنّطها
الذلُ والهوان
هذا هو الليلُ/ قيامةٌ لجنونِ الحواس!
هل نرى، نتلمسُ، نشمُ، نهجسُ، نسمعُ، نتذوقُ، نتنفسُ
غير لزوجة الوحل تطبقُ علينا حدُ اكتمال الخراب؟!
مرةٌ أخرى مع [ لعبة طائرات التحالف ] الدولي!
ألفُ مشهدٍ لدمارٍ غرائبي مباح
بينما [ الجنودُ خرقُ بالت عليها الكلابُ ]*2
تكوّمت ” الدوائر ” أنقاضاً..
ولم تزل بعد نيران القنابل تعلكُ ما تبقى من حطامِ خزّانات الوقود الكبيرة..
ثمةُ منازل تناثرث بومضةٍ ” كالحة “…
جسورُ المدينة [ الأربعة ] نسفتها الصواريخ، ،
أيها الليلُ:
وإذ راحت قطع ” الأسمنت ” والحديد الممزق
تتدلى ركاماً ينحني على كف ” الفرات ” انشطرت ” الناصريةُ
مقبرتينِ لأشباحٍ… وبقايا… وصراخٍ مكتوم مع البرد الموحش
كنا على جرفِ شطّها الحزين..
حفنةٌ من العابرين نحاولُ العثورَ على ” زورقٍ – قارب صغير ” يقلُّنا
إلى الجهة الثانية
من جديد نَشجَ الصبيُّ النحيل الذي كان يرافق وتشبث بأذيالِ
أرديتها ” البالية، باكياً هذه المرة بوضوحٍ
التفتُ لأعرض مساعدتي، حملتُ ” الصبي ” الخائف حاضناً ارتجاف ضلوعه
الواهية…. ثم بمرارة طافحة سألته عن سر نحيبه
وكدمعةٍ تحترق.. أو كسعفةٍ سحقتها ” السُرَخات ” أجابني بكاء صوته
المرتعش، ، – لم أفقه من ” ذُبول الطفولة ” غير كلمة واحدة
: –
اللـ.. يـ.. ل … الليـ … ل
إلا أنه أومأ بيده القلقة لظَلام جميع الجهات..
أجل لـ ( جميع الجهات )!.
–    
كاليفورنيا

إشارات 

1*_
قصفت طائرات ” التحالف ” جسر الناصية الكبير الذي شيّد إبان ثورة تموز 1958
فلم يبق منه غير حافةٍ (كونكريتية) ضيّقة، مصدّعة، خطرة! لا تسع لعبور أكثر من فردٍ واحد! لقد شكّل الذعرُ طوابير العابرين بارتباكٍ وفوضى فيما كانت ” الشفاه ” المضطربة الوجلة ” تتمتمُ ” بقراءة ” الشهادة “! تحسباً قبل مغامرة العبور ركضاً
ورغم هول الخراب.. وما أحدث من فجائعٍ كارثية.. فذات صباحٍ ضبابي قاتم.. للمرة الثالثة على التوالي، عادت (الطائرات) لتدمر تماماً ما بقيَ من (هيكل) الجسر المُحطّم.. ولتنثر “الأعضاء البشرية” كيفما اتفق..
هكذا وللأبد، اخترق المشهدُ الذاكرة
طينٌ.. وعويل.. دمٌ وغبار وصراخ.. جثث ونهر
..
وعباءات.. نساء.. طافية…………..
2*- [
الجنود خرقٌ بالت عليها الكلاب ] مقطع من قصيدةٍ للعراقي الشاب (أحمد الآذاري) نشرتها مجلة الثقافة الجديدة.

(3)

لا اخفي ما كان للقصيدة وحياة شاعرها الماساوية من اثر كبير في نفسي حين قرأتها اول مرة قبل عشرين عاماً تقريبأ وقد عدت اليها عدة مرات واحسست اني امام قصيدة حرب غير عادية لما لمست فيها من صور مكثفة متتابعة تبرز بشكل حي ما شهده الشاعر بنفسه من “الدمار الشامل” الحقيقي الذي خلفته الحرب على العراق، والخراب البشري وغير البشري الذي حل بمدينته “الناصرية …لا فرق كما يقول بين الاطفال وجراح النخيل ، بين النفوس الذاوية و دخان الاشجار…اشلاء الاجساد وعباءات النسوة تطفو بقعاً مرتجفة على نهر فجعته الكارثة… ركام المباني …المدارس الفارغة…ارتعاش العصافير.. وغيرها من الصور التي تدل على شمولية الكارثة
وقد بدت لي القصيدة آنئذ كشهادة شعرية بليغة تدين الحرب صاغها “الأسدي” ببراعة دون اللجوء الى لغة خطابية او التغني بمجد الماضي اوانتصارات و بطولات حقيقية أو وهمية في مواجهة الغزاة وغيرها من الملامح التقليدية التي نراها في كثير من قصائد الحرب مما كفل لها- في رايي – بعداً انسانيا يتجاوز محنة العراق.
ولهذا أقدمت على ترجمتها إلى الإنكليزية بالرغم من جهلي التام لما للاسدي من نتاج ادبي او خصائص شعره أوتكوينه الثقافي واعترف بانني لم أقم بمثل هذه الخطوة في محاولاتي الاكاديمية الاخرى.

(4)

وقد شاءت الظروف أن تنشر الترجمة في شتاء عام 2002 (أي أيام التهيؤ لحرب عدوانية أخرى على العراق) في المجلة الشعرية الإلكترونية المعروفة باسم الشعر الحر FREE VERSE ضمن ملف خاص بعنوان أصوات منفية: أربعة شعراء عراقيين: سلام الاسدي- محمود البريكان – عبد الوهاب البياتي-سعدي يوسف . ولم استطع ان اقول عن الاسدي سوى ما جاء في خبر نعيه مضيفاً تاريخ حياته وقد وقع فيه سهو بذكر تاريخ ولادته 1936 بدلأ  من 1963.
كما شاءت الظروف أن تُعرض  هذه القصيدة وقصائد عراقية أخرى على الشاعر الأمريكي سام هميل SAM HAMILL استجابة لندائه في شباط 2003 إلى الشعراء المعارضين للحرب بتقديم قصائدهم، وفوجئت بعد أسابيع بنبأ اختيار “ذاكرة الطين” (القسم الأول من القصيدة) للمجموعة المشهورة بعنوان “شعراء ضد الحرب” (2003).
هكذا أصبح سلام الأسدي ( أو أُعترف به) بعد وفاته شاعراً ضد الحرب، و هكذا اعتبرت قصيدته بين “أفضل القصائد التي قُدمت إلى موقع شعراء ضد الحرب”.
غير أنه من المؤسف أن يقع خطأ في ذكر تاريخ ميلاده كما وقع من قبل في مجلة “الشعر الحر” فذكر عام 1936 بدلاً من 1963 أي أنه حرم من أن يعرف بأنه شاعر شاب في مطلع الثلاثين من عمره ولم يصحح هذا السهو الا في عام 2009 عندما اعيد نشر القصيدة في مجلة ادنبره ريفيوEdinburgh Review

(5)

إن سيرة القصيدة لا تنتهي بظهورها عام 2002 في الكتاب المذكور إذ أنها لفتت أنظار بعض الكتاب (بعد ظهورها) وإلى الاستشهاد بها أو إعادة طبعها في مواضع عدة أجمل أهمها بما يلي:
-1 
صحيفة ديلي آيون DAILY IOWAN حيث ورد وصف القصيدة بأنها “تخدم كتذكرة بقوة الشعر وقوة الحرب” (12/5/2003)
-2
مقال للكاتبة سارة بيكر SARA BAKER بعنوان “تجوال في عالم جون اشكروفت العجائبي” حيث استشهدت بأبيات من قصيدة الأسدي وقصيدة سعدي يوسف “رؤيا” وقد كتبت المقال دفاعاً عن أخيها محرر مجلة الشعر الحر بعد ان اكتشف ان اسمه كان مدرجأ – آنذاك – في قائمة الارهابيين دون ان يعرف السبب وإن أشير الى نشره القصائد العراقية المذكورة كأحد الاسباب.
-3
إعادة نشر القصيدة في مجلة أوريون ORION (مايس – حزيران 2004) ضمن مقال “الاصغاء إلى الآخر” للكاتب الأمريكي العربي البروفسور غاري بول نبهان /جامعة اريزونا.
-4
التعليق على القصيدة في التعريف بكتاب “شعراء ضد الحرب” وقد نشر في المجلة العسكرية MILITARY REVIEW (آذار- نيسان 2005) حيث وجه كاتبه عدة انتقادات للمجموعة، واستثنى بضع قصائد اعتبرها جيدة ذكر في مقدمتها قصيدة الأسدي التي وصفهابانها” قوية رائعة كشاهد للحرب”. ومن المفارقات الغريبة ان يكون كاتب التعليق JEFFREY ALFIER ضابطاً في القوة الجوية الأمريكية، وله أعمال شعرية وأن يتردد حتي اليوم تعليقه في الاعلانات الخاصة بمجموعة “شعراء ضد الحرب
-5
استشهد الكاتب الأمريكي نبهان مرة أخرى بابيات منها في كتابه “عربي/أمريكي” الذي ظهر عام 2008علماً بان الاستاذ نبهان معروف عالمياً بدراساته حول البيئة الصحرواية في امريكا وبعض الاقطار العربية وله اكثر من عشرين مؤلفا وسبق له ان نال جوائز كبرى منها جائزة .McArthur
-6
أعيد نشر القصيدة كاملة بقسميها في المجلة البريطانية EDINBURGH REVIEW 2009 ، العدد 127 الخاص بالعراق مع تصحيح السهو في ذكر تاريخ حياته : 1963-1994.
و لا بد لي  أن اضيف إن من اليسير الوقوف على هذه الاشارات الى سلام الاسدي بالرجوع الى  GOOGLE تحت Salam Al-Asadi.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق