السبت، 23 يوليو 2016

جيمس ديكي: كيف تستلذُّ بالشعر؟

ترجمة سهام العريشي


ما هو الشعر؟ لماذا يحيطُ بنا الشعر منذ زمنٍ طويل؟ يظنّ البعض أن الشعر مقرر دراسيّ لأن علينا تجاوزه في الاختبارات كي ننجح. لكن هذا ليس تعريفًا للشعر، ولا هذا هو السبب الذي أبقاه حيّا طيلة تلك السنوات. وليس هذا هو ما نشعر به تجاه الشعر. حين تحسّ بالشعر، جزءٌ جديدٌ منكَ سيحدث، أو جزءٌ قديمٌ منكَ سيتجدد، وستشعر بالمفاجأة والمتعة لحدوثه.

علاقتك بخيالات أخرى؟

أول شيء يجب عليك فهمه عن الشعر هو أن الشعر يأتي إلى داخلك من خارجك. هو في الكتب والكلمات، نعم، لكنّ هذا شأنه وحده ليحيا، شأنكَ أنت أن يأتي شيءٌ ما من داخلك ليلتقي به وليكمله. استجابتك للشعر بعقلك وبجسدك، بذاكرتك وبعواطفك، هو ما يعطي القصيدة قدرتها على ممارسة السحر. إن منحتَها ستمنحك، وحين تمنحُ القصيدة، فإنها تمنحُ الكثير.

حين تقرأ قصيدة، لا تسمح لشاعرها أن يملي عليك، اقرأ له صوتك. صل إليه من داخل أحشائك، وستصل إلى القصيدة عضلاتك وقلبك أيضًا.

الأشياءُ كلها حولنا، الماء والأشجار والغمام، والشمس ملك الجميع. طريقتك في النظر إلى هذه الأشياء تعزز طريقتي في النظر إليها، والعكس صحيح.

أي شمس؟ ولمن النجوم؟

الشمس تتجدد كل يوم، هذا ما قاله الفيلسوف هيروقليطس. شمسُ الشعر تتجدد كل يومٍ أيضًا، لأنها تُرى بطرقٍ مختلفة، ومن أناس مختلفين، عاشوا تحتها، أو عاشوا معها، أو تفاعلوا معها. حياة هؤلاء الناس تختلف عن حياتك، لكن الشعر يضيف فتنة فريدة للحقيقة التي تقول “الشمسُ شمسُ الجميع” وبذلك فأنت تملك من الشموس بقدر ما يتخيّل كل رجل وامرأة في هذا العالم. الشعرُ يجعل كل شيء ممكنًا، وهو بهذا يوفّر أعمق أنواع التملك الذاتي في العالم.

أوريون هو أجمل كوكبة نجمية تظهر في سماء الشتاء، وكان الشعراء القدامى يعتقدون أنه يظهر على شكل قنّاص، يتنقل هناك في الأعلى عبر السماوات، مع كلبه سيريوس. ماذا يطارد هذا القناص المخلوق من نجوم؟ ماذا يقصد؟ ومن يملكه إن كان له من مالك؟ الشاعر ألدوس هوكسلي كان يشعر أن هذا القناص ملكه، ولذلك فقد استطاع هوكسلي أن يمتلكه فعلاً في كونه، في عالمه العاطفي الذاتي.

من هناك، من عمق الريح إلى قلبها الأقوى،
يتسلّق القناص،
والنجوم، نجومه، كلّها تشع، كل هذي النجوم لي.


من أين نبدأ؟

لقاؤك الأول والحقيقي بالشعر يجب أن يكون بسيطًا. يجب أن يتجنب كل الفصول، والكتب، والمقررات الدراسية، ولجان الامتحان، والمكتبات، ليذهب مباشرة إلى الأشياء التي يبدأ منها وجودك: إلى جسدك، وأعصابك، وعضلاتك، ودمك. جِدْ طريقك الخاص، طريقك السري الذي لعلك لم تعرفه بعد، وافتح نفسك بأقصى وأعمق ما يمكنك لتلك اللحظة، لحظة تخلقك الوجودي المباشر، وافتح نفسك لغموضها الذي لا نهاية له، وافتح نفسك، في ذات اللحظة، لشيء آخر ليس بالضرورة أنت، شيء آخر هناك في الخارج: حفنة ترابٍ مثلًا، هذا هو المكان الأمثل للبدء. أو مكعبات ثلج مثلًا، أي غموض أكثر وأي جمال باطني يمكن لهذه الأشياء أن تحمل؟

بالنسبة لي أحبّ الشمس، مصدر كل حياة في الحياة، ومصدر المشاعر السعيدة في أيام من العمر. “ابدأ من الشمس، وسيبدأ معك بالتدريج كل شيء” هكذا كان يقول دي.إتش. لورانس. نصيحة جيدة. وأشياء كثيرة ستحدث.

هل هناك ما هو أشد سحرًا من الصخر، إن أنتَ شعرتَ به ونظرتَ إليه؟ هل ثمة ما يثير فيك الفضول كورقة؟

كيف يمضي معك الشعر؟

كلما تعمّقت مواجهتك بالشعر، تعمّقت خبرتك الحياتية، وستتعود أن ترى الأشياء عن طريق الكلمات، والكلمات عن طريق الأشياء.

ستفهم كيف يتفاعل العالم مع الكلمات، وكيف تعيد هذه الكلمات والقوافي والصور خلقَ هذا العالم. سترى أن هذه الحالة مشحونة بالاحتمالات القاتلة. ستلتقط معنًى ما بسرعة خاطفة، وستخلق معنًى آخر لنفسك وللآخرين. العلاقات المتداخلة بين الأشياء ستظهر لك كما لم تظهر لأحدٍ من قبلك. ستشع أمام عينيك بفجائية مطلقة وبرحابة شاسعة، وستذهب إليها بطريقتك الخاصة. “حينها فقط ستمتلئ قدماك بالرغبة” كما يقول الشاعر الإيطالي دانتي. ستعرف معنى السعادة حين تقول هذه الكلمات للمرة الأولى وعن أشياء لم تلتفت لها من قبل: “حسنًا، انظروا إلى هذا! من فكّر في هذا من قبل؟

*جزء من حوار أجري مع الشاعر والروائي الأمريكي جيمس ديكي ونشر عام 1985

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر : تكوين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق