مودي بيطار
تاريخ النشر: 6 فبراير 2015
اختفاء ميشال
* صدرت «استسلام» في فرنسا يوم الهجوم على مجلة شارلي إيبدو الذي قُتل فيه اثنا عشر شخصاً بينهم صديق المؤلف، الاقتصادي برنار ماري. باعت مئة ألف نسخة في الأسبوع الأول، وتصدرت فوراً لائحة الكتب الأكثر مبيعاً. أوقف ميشال ويلبيك حملة الترويج للرواية واختفى. وُضع الناشر تحت حماية الشرطة.
تتصدّر «استسلام» أيضاً قائمة الأكثر مبيعاً في ألمانيا بعدما أزاحت «قانون الطفولة» للإنكليزي إيان ماكيوان عن القمة. بات الناشرون الألمان يترجمون مخطوطة باكرة بدلاً من أن ينتظروا صدور الكتاب لكي يعوضوا المبالغ الكبيرة المدفوعة سلفاً للكاتب ويحققوا ربحاً. الناشر البريطاني غير مستعجل، وسيصدر الترجمة في أيلول.
كان ويلبيك ظهر على آخر غلاف لـ «شارلي إيبدو» قبل الهجوم وهو يعتمر قبعة الساحر ويقول: «في 2015 سأفقد أسناني وفي 2022 سأصوم في رمضان». رئيس وزراء فرنسا مانويل فالز قال إن بلاده «ليست ويلبيك. ليست تعصباً وبغضاً وخوفاً». غيّر الدم رأي الكاتب الذي مثل أمام المحكمة في 2002 لإساءته الى الإسلام. قال إن روايته ليست ضد الإسلام، وإن التفسير النزيه للقرآن لا ينتهي بالجهاد.
راوي «استسلام» الصادرة عن «فلاماريون» أستاذ أدب في السوربون. عازب في وسط العمر، مكتئب ومهووس بالجنس. فرنسوا أخصائي في يوريس- كارل هايسمانز، الكاتب الفرنسي الملحد، المكتئب، من القرن التاسع عشر الذي ارتاد بيوت الهوى وكتب رواية «ضد الطبيعة» المتشائمة. رفض هايسمانز كاثوليكيته طفلاً بعد وفاة والده ثم عاد إليها بالغاً. «كل الحيوانات، وغالبية البشر الساحقة تعيش من دون أن تجد أقل حاجة الى التبرير» يقول فرنسوا. «يعيشون لأنهم يعيشون، وهذا كل ما في الأمر. يفكرون بهذه الطريقة، ثم أفترض أنهم يموتون لأنهم يموتون، وهذه في نظرهم نهاية التحليل».
هل الإسلام مستقبل أوروبا؟ إنها 2022، وفرنسوا يسير بسرعة الى انهياره. كفرنسا. يرى مستقبلاً قاتماً بعدما فقدَ صديقته ونفدت الطالبات اللواتي يستطيع النوم معهن. يشعر بكارثة مقبلة، وتتحقق مخاوفه في الانتخابات الرئاسية. يساعد اليسار مرشح الإخوان المسلمين ليتغلّب على ماري لوبن، زعيمة الجبهة الوطنية القومية، ويسود فرنسا «إذعان مصعوق». محمد بن عباس يبدو صاحب دكان تونسياً يثير الشعور بالطمأنينة، لكنه يثورن البلاد سلمياً. ينتشر الحجاب، ويحنّ فرنسوا الى سيقان الفتيات العارية حين يجبَرن على تغطيتها بالسراويل. يستلم سعوديون إدارة السوربون، ويخسر وظيفته لأنه غير مسلم. يعتنق زملاء له الإسلام وينالون ترقية. يحسدهم حين يتزوجون ثانية، ويوزعون المهمات. الزوجة الأولى المتوسطة العمر للمطبخ، والثانية الشابة للسرير.
تُمنع النساء من العمل، وتستبدل المساعدات الاجتماعية بالتضامن العائلي فتهبط البطالة وينتعش الاقتصاد. يشجَع اليهود على الرحيل الى إسرائيل، وتزول المشكلة اليهودية. تحرّر القيود المجتمع من «حرّياته المزعجة»، ويشكّ في «إنسانيته الملحدة»، مصطلح أشعره دائماً بالرغبة في التقيؤ. يدفع نجاح بن عباس الاتحاد الأوروبي إلى قبول عضوية تونس والمغرب وتركيا، ويختاره رئيساً له. يناقش فرنسوا نفسه في حوار ذكي مرح ويقتنع بضرورة اعتناق الإسلام. يستعيد وظيفته، ويعد نفسه بزوجات ينتقيهن من طالباته المحجبات اللواتي ستشرّفهن مشاركته سريره. «لن يحدث ما أندم عليه» يفكر.
يرى ويلبيك العدمي مستقبل أوروبا خارج هويّتها، ولا يعثر على عزاء لخوائه الروحي. في «أعداء الشعب» الذي دوّن رسائله مع برنار - هنري ليفي ذكر أن «الإلحاد ليس بهيجاً أو بطوليّاً أو محرّراً اليوم (...) إنه شيء بارد، شيء يائس». قال في مقابلاته الأخيرة إن التنوير انتهى والعلمانية ماتت. انتقدت «نيويوركر» افتقاره الى الأسلوب الرشيق والضبط الشعري مع أنه بدأ شاعراً. ليس محرّضاً عن سابق تصور وتصميم، قالت، بل كاتب ساخر ببساطة.
لون الجلد
* تستند جويس كارول أوتس في روايتها الأخيرة إلى حادث حقيقي من أواخر الثمانينات في نيويورك. أثارت تاوانا برولي ضجة حين اتهّمت شباناً بيضاً باغتصابها، وفجّر الكاهن آل شاربتن التوتّر العنصري المحتقن بإعلان أسماء المغتصبين. لكن الشابة السوداء كذبت، وتواطأ من حولها معها بغضاً بالنظام أو رغبة في الاستفادة. تستعيد الكاتبة الغزيرة القضية روائياً لأن واجب الأدب «إعطاء» شكل، نهاية ومعنى لا تتوافر في الحياة».
«التضحية» الصادرة عن «فورث إستيت»، تبدأ بامرأة سوداء تطوف شوارع البلدة الخيالية باسكين في نيو جرسي، وتسأل إذا كان المارّة شاهدوا طفلتها. تعثر جارة على سيبيلا مضروبة، مقيّدة، ملوّثة بفضلات بشرية، وعلى جسدها عبارات عنصرية. لا تشكرها الأم التي تعتمد لون البشرة معياراً للخير والشر. كما اعتبرت حيوانات جورج أورويل في مزرعته أن أصحاب الأرجل الأربع أخيار وذوي الرجلين أشرار، تحدّد إدنيتا فراي شخصية المرء وفق لون جلده. القاتم خيّر، والقاني شرير، لذا لا تستحق الجارة امتنانها لأن بشرتها أقلّ سواداً. لا تتعاون مع الشرطية إينيس إيغليزياس في التحقيق، لأن بشرتها غير قاتمة، وهي بالتالي ابنة النظام. يعجز الطبيب «الأسيوي، القاني البشرة» من إتمام فحصه سيبيلا لخوف ابنة الرابعة عشرة من رجل «يبدو أبيض».
يؤثّر الفحص الطبي غير المكتمل في التحقيق الذي يعجز عن تحديد المشتبه بهم. تتّهم سيبيلا رجال شرطة بالاشتراك في اغتصابها، ويصوّرها التوأم مودريك جان دارك سوداء. يرى الواعظ ماراكي وشقيقه المحامي بايرن فرص الاستفادة الهائلة مالياً ودعائياً، فيحوّلان كذبة مراهقة هجوماً عرقياً على النظام. يتعطّش الواعظ إلى السلطة والتكريم، ويقول إن سود المنطقة يطلبون منه الأمل وإن واجبه كزعيم توفيره. يتسلّم الشقيقان حياة سيبيلا ووالدتها، وينقلانهما من بيت آمن الى آخر حين ينفجر العنف في نيو جرسي كلها.
تروي القصة سبعة أصوات منها أنيس شوت، زوج إدنيتا، الذي قتلت الشرطة ابنه بدم بارد منذ أعوام، ودخل السجن لقتله زوجته الأولى. لا يكفي إدنيتا خضوعها وابنتها لزوجها الثاني. تجرفها حملة العدالة المزعومة لسيبيلا التي جعلها الأخوان مودريك وسيلة لتضخيم هالتهما وحسابهما المصرفي.
عين على الشِعر
* قلّة من الناس عرفت أن جفري تشوسر شاعر في حياته، لكن ربما كان الشعر همّه الأول في عمله وزواجه. في «حكاية الشاعر: تشوسر والعام الذي صنع حكايات كانتبي» يكشف بيتر ستروم، أستاذ الشرف في جامعة كولومبيا، فضيحة ستصدم محبّي الشاعر الذي فكّر بقرّاء المستقبل، وأمل بن يفهموه.
في 1374 تمكّن محتال ثري يدعى نيكولاس برِمبر من الحصول على وظيفة جابي الضرائب في تجارة القطن، المورد الرئيس للاقتصاد الإنكليزي يومها. عُيّن تشوسر مراقباً لكبح الفساد المحتمل، وحصل مع الراتب على إبريق يومي من الكحول وشقّة مجانية شرق لندن. اجتهد برِمبر وجماعته النافذة في السرقة بأقصى قدرتهم، ووجدوا لدى تشوسر غضّ الطرف الذي طلبوه طوال اثني عشر عاماً. تصاعد الاحتجاج الشعبي على الفساد في تجارة القطن، وكان على البرلمان أن يحقّق. حوكم برِمبر وشُنق، وطُرد تشوسر من الوظيفة والشقة.
يعتقد ستروم أن تشوسر صمت حيال السرقة لأنه خاف من قدرة برمبر على إيذائه، وربما اعتبر الفساد ثانوياً حيال اهتماماته الخاصة. كتب «ترويْلوس وكريسيدي» بالإنكليزية، لا الفرنسية أو اللاتينية الرائجتين، خلال «عمله»، وهجس بتغيّرها الدائم الذي قد لا يتيح للأجيال المقبلة فهمه. سبق الكتاب آلة الطباعة بنصف قرن، على أنه أدرك أنه كتب تحفة، وفي نهاية «ترويْلوس وكرسيدي» يبدو واثقاً بأن كثيرين سيقرأونه في بلاده وخارجها.
بدأ تشوسر (1343- 1400) جندياً وجال فرنسا وإيطاليا. تزوج في الثانية والعشرين من ابنة فارس لم تر فوائد اجتماعية من ارتباطها به، فبقيت في قصر جون غونت حيث عملت شقيقتها عشيقة له فيما بقي تشوسر في لندن. جعل نفسه شخصية في»حكايات كانتربري» التي روى فيها الحجّاج قصصهم، وتحمّلوا الانتقاد القاسي من سامعيهم. يحكي الحاج تشوسر قصة مضجرة إلى درجة يقاطعه معها المضيف ويقول إنها لا تساوي فضلات الجسم.
ــــــــــــــــــــــــ
المصدر: الحياة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق