الجمعة، 8 يوليو 2016

جوناثان فرانزن‮: ‬يجب أن نكون ساخرين وغاضبين

ترجمة: مرفت عمارة


في حوار طويل مع جوناثان فرانزين بمناسبة عيد ميلاده في‮ ‬17‮ ‬أغسطس وصدور روايته الجديدة‮ "‬نقاء‮"‬،‮ ‬أبدي شعوره بالاستياء من الجميع بداية من أوبرا وينفري ومرورًا بمحبي الطيور وحتي نظرة الأديبات للتفرقة بين الجنسين‮. ‬حفلت روايته الأخيرة بانحيازه للنساء،‮ ‬وتدور بعض أحداثها في سانت كروز بكاليفورنيا،‮ ‬حيث‮ ‬يعيش مع‮ ‬رفيقه حياته كاثي،‮ ‬بمنزله الذي‮ ‬يتخذ شكل الهلال،‮ ‬عند أطراف منطقة سكنية بالضواحي تطل علي محمية أشجار خشبية علي الجانب الآخر من المحيط الهادئ‮. ‬فرانزن‮ ‬أحد الروائيين الأمريكيين القلائل الذين‮ ‬يطل منزلهم من ثلاثة اتجاهات علي جيرانه،‮ ‬يقول‮: "‬تبة فيليب روث العالية في كونيتيكت ليست كذلك،‮ ‬علي أي حال أحظي برؤية جيدة من أعلي السطح‮ "‬الروائي‮ ‬يطمح في مراقبة الطيور،‮ ‬وتكاليف الصيانة العامة تسمح له بفترة سماح خمس سنوات قبل تسليم رواية جديدة‮".‬
هناك سؤال‮ ‬يشكل عنصرا أساسيا عند الكتابة،‮ ‬وكذلك عند الترويج للرواية،‮ ‬وهو أحد الأسئلة التي ناضل فرانزن كثيرا للإجابة عليها،‮ ‬ويتعلق بكيفية احتفاظه بشبابه وهو في الخامسة والخمسين،‮ ‬بينما هو أيضا أحد الذين تنتابهم حالة عصبية من حين إلي آخر،‮ ‬وفي آخر اختبار للقيادة حصل علي درجة عالية في مقياس القابلية للغضب‮. ‬
يعلق فرانزن‮: ‬كانت هناك‮ ‬11‮ ‬علامة إنذار تدل علي احتمال تعرضي لغضب الطريق،‮ ‬حصلت علي تسعه منها‮"‬،‮ ‬سمعته في المعارك التي‮ ‬يخوضها سواء التي‮ ‬يختارها أو المفروضة عليه،‮ ‬مثلما‮ ‬يحدث عند مناقشة جودة أدبه،‮ ‬إنه‮ ‬يغضب الناس بصورة‮ ‬غير عادية،‮ ‬ربما‮ ‬يبدو ذلك شيئا مطمئنا كروائي،‮ ‬نظرا للنقاش الدائم حول ملاءمته لهذا الدور،‮ ‬إلا أنه‮ ‬أكسبه الازدراء عبر سنوات من‮ ‬مستخدمي التواصل الاجتماعي،‮ ‬والداعين للحفاظ علي البيئة،‮ ‬وبعض شرائح المؤيدين للمساواة بين الجنسين،‮ ‬والروائيين الأقل مرتبة منه،‮ ‬ومراجعي الكتب الأساسيين في نيويورك تايمز،‮ ‬ومحبي أوبرا وينفري‮.‬
يقول فرانزين إن ذلك‮ ‬يشعره بـ"الألم والخجل‮" ‬أن‮ ‬يصبح هدفا لمثل هذا الغضب،‮ ‬إلا انه أيضا‮ ‬غير نادم،‮ "‬فلا‮ ‬يلبث أن‮ ‬يموت أحد النقاشات حتي‮ ‬يبدأ آخر‮"‬،‮ ‬آخرها كان في أعقاب مقال طويل كتبه في النيويوركر في أبريل الماضي،‮ ‬أشار فيه إلي أنه خلافا لبحث نشرته مؤسسة خيرية للحفاظ علي الطيور‮ "‬جمعية أودبون الوطنية‮" ‬تؤكد فيه أن التغيرات المناخية لا تشكل تهديدا لرعاية الطيور،‮ ‬قال إن هناك تهديدات أكثر إلحاحا مثل الصيد،‮ ‬واصطدام الطيور بالزجاج الأمامي للسيارات،‮ ‬فاتهمه المجتمع‮" ‬بخيانة الأمانة الفكرية‮"‬،‮ ‬إلا أن ذلك كان ربما تجربة مرضية إلي حد بائس،‮ ‬ساعدته علي التنبؤ بموضوع روايته القادمة،‮ ‬يقول‮:"‬كنت خجولا من روايتي‮ "‬التصحيحات‮"‬،‮ ‬محرجا من استمرار اهتمامي بالأسرة،‮ "‬نقاء‮" ‬تتناول حكاية فتاة في بداية العشرينيات تدعي بيب،‮ ‬وشخصية أخري أندرياز وولف،‮ ‬علي شاكلة جوليان أسانج،‮ ‬يدير منظمة منافسة لويكيلكس،‮ ‬أطلق عليها‮ "‬مشروع أشعة الشمس‮".‬
ثقافة الإنترنت،‮ ‬من بعض النواحي،‮ ‬المصدر الأساسي لإلهام فرانزن،‮ ‬الذي‮ ‬يبدو في أقوي حالاته حين‮ ‬يناقش الفجوة بين كيف نري أنفسنا وكيف‮ ‬يرانا الآخرون،‮ ‬الموجودة حاليا علي الإنترنت‮. ‬لكنها حالة‮ ‬غريبة،‮ ‬رواية عن التكنولوجيا من شخص‮ ‬يعلن أنه لا‮ ‬يحب استخدامها،‮ ‬سنوات طويلة ظل فرانزن‮ ‬يتحدث عن التشويش ومنع اليو إس بي للمعلومات من دخول الكومبيوتر،‮ ‬ومؤخرا وبخ سلمان رشدي لإضاعته الوقت علي تويتر‮. ‬ذلك النفور جزئيا شيء جمالي‮- ‬الإيجاز الشديد لتويتر‮ ‬يزعج فرانزن‮- ‬وهو رد فعل جزئي حين أطلق عليه‮ "‬الشمولية‮" ‬لثقافة الإنترنت،‮ ‬حيث القصاص بواسطة الغوغاء‮ ‬يمكن أن‮ ‬يصبح ضخما وسريعا،‮ ‬ويحتوي معلومات خاطئة تؤدي للعنف‮.‬
ما‮ ‬يدعو للسخرية في كل ذلك أن فرانزن،‮ ‬ذلك الروائي الأبيض الذكر،‮ ‬الذي كثيرا ما‮ ‬يكيل الاتهامات للنخبة،‮ ‬في سياق هذا السيناريو‮ ‬يصبح مهضوم الحق،‮ ‬مضيفًا‮:"‬في مسألة شبكة الإنترنت،‮ ‬يمكنك تجاهله،‮ ‬أو التواطؤ معه،‮ ‬وفي كلتا الحالتين تكون متورطا في علاقة به،‮ ‬وتلك هي الشمولية‮". ‬وبالنسبة لوسائل التواصل الاجتماعي‮ ‬يقول‮:"‬تبدو مثل مضرب الحماية في لعبة الراكت،‮ ‬سوف‮ ‬يقتل سمعتك،‮ ‬إلا إذا شاركت في ذلك الشيء الذي في الأساس جزء من عمله قتل السمعة،‮ ‬لماذا كان علي تغذيته‮".‬
قراءة جوناثان بوجه عام مثل مراقبة نجم بيسبول،‮ ‬مع علم مسبق أن وراء تلك الانحناءة العشوائية موهبة لاعب مبدع وعشرة آلاف ساعة من التدريب‮. ‬نثر فرانزين جامد،‮ ‬ليس سريع الانفعال،‮ ‬يكاد‮ ‬يكون عقلانيا بشدة،‮ ‬مصنوع من جمل طويلة مخطط لها بدقة،‮ ‬مدججة بالسخرية المتأصلة في جذوره الكوميدية،‮ ‬علي عكس زميله ديفيد فوستر والاس،‮ ‬لم‮ ‬يكن أبدا متماشيا مع العصر ولم‮ ‬يكن طليعيا،‮ ‬فهو‮ ‬يأخذ كل شيء علي محمل الجد فيما‮ ‬يتعلق بأسلوب ما بعد الحداثة،‮ ‬كما لم‮ ‬يسقط بسهولة داخل حزمة‮ "‬الفئران الأدبية‮". ‬عن ذلك‮ ‬يقول‮: "‬أنظر إلي ماكيوان وإيميز وهيشنر كحزمة واحدة،‮ ‬ولا أعتقد أن تلك طريقة تلقي نجاحا كبيرا لدينا في الولايات المتحدة،‮ ‬وتلك ليست فجوة بين الأجيال،‮ ‬علي الأقل بالنسبة لتجربتي،‮ ‬ما‮ ‬يفرق الناس إلي حزم ليس العمر،‮ ‬إنما التذوق‮"‬
لفترة طويلة شعر فرانزن بغضب من النقص النسبي في تقدمه الأدبي منذ بلغ‮ ‬الأربعين،‮ ‬حيث استغرق عقدا من السنوات لكتابة روايتين هما‮ "‬المدينة السابعة والعشرين‮" ‬و"الحركة القوية‮" ‬وكلتاهما لاقت استحسانا من النقاد والقليل من البيع،‮ ‬فسحب نفسه بعيدا نحو كل ما لا‮ ‬يتعلق بالأدب،‮ ‬ليس لانهياره،‮ ‬ولكن لتقصير في الثقافة وصفه بـ"خيبة أمل‮" ‬في القراءة الأمريكية عموما،‮ ‬ذلك الموقف المبالغ‮ ‬فيه دعا الناقدة ميشيكو كاكوتاني إلي تسميته بالحمار في نيويورك تايمز‮. ‬فرانزين،‮ ‬مبتسما،‮ ‬عزا ذلك إلي أنه ربما‮ ‬يكون لا‮ ‬يطاق قليلا في بعض الأحيان،‮ ‬وكان رده علي ميشيكو أن‮ "‬ما قالته إساءة تعبير تفتقر روح الدعابة‮".‬
من المهم هنا الإشارة إلي خلفية فرانزن التي تعود إلي الغرب أوسطي،‮ ‬حيث نشأ في إحدي ضواحي سانت لويس بولاية ميسوري،‮ ‬وهي جزء من أمريكا،‮ ‬مع هوية إقليمية عميقة الجذور من التواضع،‮ ‬لذا‮ ‬غطرسة فرانزين بطريقة أو بأخري ادعاء إذا حقق نجاحا كما‮ ‬يقول‮:" ‬أصبح في إمكاني العودة إلي تواضعي الغرب أوسطي الأصيل‮"‬،‮ ‬خجله لا‮ ‬يعني أن‮ ‬يكون متغاضيا،‮ ‬لذا،‮ ‬يتألم ويصاب بالحيرة حين‮ ‬يسمع وصفه بأنه كاره للبشر قائلا‮:"‬أنا لا أكره الناس،‮ ‬أنا أحب الناس‮". ‬هناك سطر في‮ "‬نقاء‮" ‬ينطبق علي‮ ‬شخصية‮ "‬أنابيل‮" ‬قد‮ ‬يكون المؤلف فيها‮ ‬يعالج نفسه‮:"‬ظلت تنفر الناس بنظرية أخلاقية،‮ ‬وإحساسها بالسمو الذي كان في الغالب الشخصية السرية للخجل‮".‬
‮ ‬كل شيء تغير مع روايته‮ "‬التصحيحات‮" ‬التي تحكي حياة عائلة‮ "‬لامبرت‮" ‬و"أنيد‮" ‬وهما مقاتلان من المحاربين القدامي،‮ ‬وأولادهما الثلاثة المختلين،‮ ‬لتلك الأسرة الخيالية أوجه تشابه قوية مع عائلة فرانزن،‮ ‬والده مهندس في السكك الحديدية،‮ ‬ووالدته ربة منزل،‮ ‬بالرغم من انه‮ ‬يقول‮:"‬كلما اقتربت الكتابة من السيرة الذاتية،‮ ‬تصبح أقل التصاقا بالتجربة المعاشة فعليا،‮ ‬وتنحو تجاه معني البدء في الخروج من التجربة،‮ ‬لأن عندها تبدأ الاستفادة الفعلية من طبيعة الكاتب‮".‬
لم‮ ‬تراود فرانزن آمال عظيمة حول‮ "‬التصحيحات‮"‬،‮ ‬يقول‮: "‬ظننت أنني أكتب لجمهور قليل وكان علي وضع كل الأشياء التي كانت مخزية بحق‮. ‬من الصعب تصور الآن أنني كنت أخجل من تأليف كتاب،‮ ‬خجلا عميقا،‮ ‬خجل‮ ‬يعوقني عن كتابة أمنية أٌم أن تجتمع الأسرة في عيد الميلاد‮".‬
‮> ‬لأنك شعرت أنها قماشة صغيرة جدا‮.‬
كانت صغيرة،‮ ‬وكنت محرجا أنها جاءت من الغرب الأوسط البريء،‮ ‬وكنت محرجا أنني مازلت مهتما بالأسرة،‮ ‬وكانت هناك العديد من الأشياء الأخري،‮ ‬غرابة شخصية شيبسي،‮ ‬تنسحب علي مدي إحساسي بالغرابة،‮ ‬انت تكشف الأشياء المشينة لأشخاص‮.. ‬ذلك ما‮ ‬يدفعهم للجوء إلي الخيال،‮ ‬وسبب قراءتهم لكافكا،‮ ‬وديستويفسكي،‮ ‬لكنه جمهور قليل‮.‬
رواية‮ "‬التصحيحات‮" ‬المنشورة سنة‮ ‬2001‮ ‬حين كان في الثانية والأربعين من عمره باعت أكثر من ثلاثة ملايين نسخة،‮ ‬يقول‮: "‬ببساطة لم‮ ‬يعد ملائما أن أغضب‮".‬
العلاقات الجيدة صنعت من أجل روايات مملة،‮ ‬وعلي مدي الثلاث عشرة سنة السابقة عاش فرانزن مع‮ "‬كاترين شيتكوفيتش‮" ‬الكاتبة والمحررة التي أقنعها بالترحال معه لأربعة شهور بعد‮ "‬التصحيحات‮". ‬يعلق علي ذلك بقوله‮: "‬لم أشعر بالملل،‮ ‬انها تساعدني علي التفكير بشكل أفضل،‮ ‬وتعرف الكثير من الأشياء،‮ ‬ومن الصعب أن تفلت من جدال خادع في وجودها،‮ ‬ولا أعتقد أنني استطيع العيش مع شخص لا تربطني به صداقة فكرية،‮ ‬ربما‮ ‬يمكن أن‮ ‬يحدث ذلك مع كلب‮"‬
في أواخر سنة‮ ‬2006‮ ‬بدأ فرانزن‮ ‬يشعر بشيء‮ ‬ينقصه في حياته،‮ ‬بينما كان‮ ‬يقترب من الأربعين من عمره،‮ ‬وأصبح ناجحا للغاية،‮ ‬وارتفع أجره،‮ ‬مع استقرار حياته الزوجية‮. ‬إلا ان ما‮ ‬ينقصه هو الوصول إلي الشباب،‮ ‬يقول‮:"‬أمضيت فترة وجيزة أتساءل إن كان‮ ‬ينبغي علي تبني طفلا،‮ ‬إلا أن هنري فيندر رئيس تحريري في‮ "‬النيويوركر‮" ‬شعر بالفزع من هذه الفكرة‮. ‬كنا نجلس في بار عندما قال‮: ‬أرجوك لا تفعل ذلك‮" ‬مكملا بسخرية‮: ‬ربما‮ ‬يمكننا استئجار بعض الصغار‮".‬
منذ عام تفحص فرانزن بشكل منتظم‮ ‬بعض الخريجين الجدد من جامعة بيركلي كجزء من دراسة،‮ ‬يقول‮: "‬كانوا أطفالا تخرجوا لتوهم من الجامعة،‮ ‬تعرف علي إحداهن وكتبت مقالا للنيويوركر حول تلك التجربة‮.‬
‮> ‬هل اقترابك من الشباب أزكي رغبتك في إنجاب طفل؟
‮- ‬اوه لقد كان شيئا مجنونا،‮ ‬فكرة أن نتبني كاتي وأنا‮ ‬يتيم من الحرب العراقية،‮ ‬استمرت ربما لستة أسابيع،‮ ‬وأمتعني هنري بأنها فكرة سيئة،‮ ‬وأحد الأشياء التي‮ ‬دفعتني لوضع هذا الموضوع‮ ‬في اعتباري شعوري بالاغتراب عن جيل الشباب الذي‮ ‬يبدو من الناحية السياسية ليس بالطريقة التي‮ ‬يجب أن‮ ‬يكون عليها‮. ‬أعتقد من المفترض أن‮ ‬يكون الناس‮ ‬مثاليين وغاضبين‮. ‬

ــــــــــــــــــــــــ
المصدر : أخبار الأدب، 19/09/2015.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق