الجمعة، 8 يوليو 2016

عمرو خيري يترجم روح العصر في رواية (التصحيحات) بسلسلة الجوائز



24 يناير 2014


أعلنت الروائية والمترجمة د. سهير المصادفة، رئيس تحرير سلسلة الجوائز، إن السلسلة التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ستظهر في شكل جديد يوازي ما حققته من نجاح المحتوى لدى القراء مما شجع دور النشر الأجنبية والمؤلفين على التعاقد مع سلسلة الجوائز. السلسلة في شكلها الجديد من تصميم الفنانة هند سمير. من بين الأعمال الجديدة التي تظهر بمعرض الكتاب رواية (التصحيحات) لكاتبها جوناثان فرانزن ومترجمها البارع عمرو خيري. هنا (آسيا إن) تقدم – حصريا – مقدمة المترجم عمرو خيري لهذا العمل الهام:




حازت هذه الرواية على جائزة الكتاب الوطنية الأمريكية لعام 2001، ورُشحت لجوائز أخرى مهمة منها جائزة النقاد الوطنية للأدب وجائزة بوليتزر وجائزة فوكنر. ثم سرعان ما وُضعت الرواية على قائمة أفضل مائة رواية صدرت باللغة الإنجليزية بين عاميّ 1923 و2005 التي أعدتها مجلة تايم الأمريكية. وفي عام 2006 قال عنها الكاتب الأمريكي بريت إيستون إليس إنها “واحدة من أعظم ثلاث روايات كتبها جيلي”. وفي عام 2009 كلفت مجلة أدبية أمريكية مجموعة نقاد وكُتاب وصحفيين بالتصويت على أفضل رواية صدرت في العقد الأول من الألفية، فاستقر قرارهم على “التصحيحات” بفارق كبير عن باقي الأعمال. هذه الرواية – أو هي خمس روايات متشابكة – تمثل ما يُسمى أحياناً في الولايات المتحدة: “الرواية الأمريكية الكبرى”، أي الرواية التي تعبر لحظة كتابتها عن “روح العصر” في الولايات المتحدة بقدر كافٍ من التفصيل، فتقدم صورة واضحة عن أحوال المجتمع ولغته واهتماماته وثقافته ورؤية المواطن الأمريكي العادي للحياة بشكل عام. نُحت هذا المصطلح في القرن السابع عشر، في محاولة من المثقف الأمريكي لتحديد هويته الأدبية، فكانت توصف بهذا الوصف الأعمال التي تعتبر قوية بما يكفي لمنافسة الأدب الإنجليزي، قبل الاستقرار على ما هو “أدب أمريكي”. كانت إذن مرتبطة بالقومية الأمريكية وهوية المجتمع الأمريكي، لكن في الاستخدام الحديث لهذا المصطلح فهو وصف لكل رواية معبرة أفضل التعبير عن حالة الأدب الأمريكي في أي عصر من العصور. ما أقرب هذه الحالة الأدبيةإذن إلى ثلاثية نجيب محفوظ مثلاً في تعبيرها عن أحوال المجتمع المصري في النصف الأول من القرن العشرين. تنبع أهمية الرواية من أنها نجحت إلى حد بعيد في التوفيق بين المقولات الما بعد حداثية للأدب والرواية الواقعية كما اتُفق عليها. هناك جملة في متن الرواية تعبر عن الحالة الأدبية التي تقدمها، في وصف لمكان محوري، هو مطعم جديد ومختلف تعمل فيه واحدة من شخصيات الرواية المركزية: “فقاعة برّاقة من الحداثة مستقرة وسط مبنى صناعي أثري من عهد الثورة الصناعية الغابر”. من ثم فقد يرى القارئ في كتابة جوناثان فرانزن أصداءً من “تشارلز ديكنز” و”ديستويفسكي” و”دون ديليلو” و”فيليب روث” و”بورخيس”، بل وربما أديبنا الكبير “فتحي غانم” بالنسبة للقارئ العربي. هو كاتب مختلف تمكن من تقديم أعمال تستوعب تماماً خصوصية عصره وإيقاعه، دون التعالي على الرصيد الإبداعي السابق عليه. أصدر جوناثان فرانزن قبل التصحيحات روايتين، هما “المدينة السابعة والعشرون” و”حركة قوية”، في الأولى – الصادرة عام 1988 – تناول سقوط مدينته مسقط رأسه سان لويس من كونها المدينة الرابعة على مستوى الولايات المتحدة في سبعينيات القرن التاسع عشر، إلى السابعة والعشرين في ثمانينات القرن العشرين. قدمته هذه الرواية الأولى أفضل تقديم بصفته أديباً بدأ يشق لنفسه طريقاً. وقد وصفها في حديث له بأنها “حديث مع الشخصيات القابلة لأن تُنحت أدبياً من جيل أبي، الما بعد حداثيين من جيل الستينيات والسبعينيات”. ووصف نفسه أثناء كتابة تلك الرواية فيما بعد قائلاً: “كنت فتى نحيفاً خائفاً أحاول كتابة رواية ضخمة. كنت أرتدي قناعاً من الخطابة شديدة الحصافة والأناقةوالإلمام بالتفاصيل، أحاول تمثل صورة روائي في سن الكهولة”. أما “حركة قوية” الصادرة عام 1992 فتتناول أسرة تعاني من مشكلات كثيرة، وقال عنها: “تخيلت حيوات إستاتيكية جامدة تتعرض لهزات أرضية. تخيلت مشاهد عنيفة تعري القشرة الجامدة، يظهر تحتها الغضب والاتهامات الأخلاقية المتبادلة”. وقال في حديث آخر: “هي رواية “نُظم”.. نظم العلم والدين بالأساس، نظامان متناقضان تكتشف منهما حقيقة العالم”.

لم تنجح الرواية على الصعيد النقدي أو الجماهيري لدى طباعتها وبعد “التصحيحات” بتسعة أعوام، أصدر فرانزن روايته الأخيرة “حرية” في عام 2010، فأصبح الأديب الأمريكي الأول الذي يظهر على غلاف مجلة تايم منذ عام 2000، وكان مانشيت المجلة تحت صورته هو “الكاتب الأمريكي العظيم”؛ إشارة إلى أنه صاحب “الرواية الأمريكية الكبرى”. في التصحيحات، يتأكد للقارئ أخيراً ظنه في التيار الأساسي الكامن للرواية، تحت كل التفاصيل، في مطلع الفصل الأخير: “التصحيحات.. عندما جاءت أخيراً، لم تكن انفجار فقاعة بين ليلة وضحاها، بل انهيار أنعم بكثير، تسرُّب استغرق عاماً للقيمة من الأسواق المالية المهمة، تناقضات تدريجية للغاية لدرجة أنها أدت لظهور عناوين ومانشيتات كثيرة في الصحف وكان يسهل التنبؤ بالانفجار لدرجة أنه لا يمكن أن يؤلم أحداً غير الحمقى والشغيلة الفقراء”.. في إشارة إلى انتهاء فترة الازدهار الاقتصادي في التسعينيات في الولايات المتحدة مع بداية الألفية الجديدة. غير أن الرواية لم تتناول أزمة السوق الحرة بشكل مباشر وصريح إلا مع شخصية مركزية واحدة، هي”شيب” – أستاذ النقد الأدبي – في حوار مُطوّل مع سياسي سابق من ليتوانيا، عن العولمة الاقتصادية واشتراطات صندوق النقد الدولي التي أفلست دولة من دول البلطيق إثر انهيار الاتحاد السوفيتي: “الاختلاف الأساسي بين أمريكا وليتوانيا كما يرى شيب هو أن في أمريكا تُخضع القلة الثرية غير الأثرياء الكثيرين بواسطة تخدير العقل وأساليب التسلية والترفيه القاتلة للروح والعقاقير الطبية، بينما في ليتوانيا يُخضع الأثرياء الفقراء الكثيرين بالتهديد بالعنف”. كل شخصيات الرواية تمر بتصحيحات، هي لحظة تنوّر مفاجئة أو تدريجية، لحظة إدراك لحقيقة الحياة، تداهم أفراداً يعانون من أعراض خداع النفس أو إنكار الواقع، وهي بدورها من أعراض الحياة الأمريكية كما نعرفها. أما الشخصية الوحيدة التي تفشل في إدراك التصحيحات الضرورية فإنها تسقط مع سقوط سوق الأسهم ومع الانهيار الاقتصادي الذي يشير إليه الفصل الأخير من الرواية. لون الرواية، أو بنيتها العميقة، هو تحول أمريكا من الاقتصاد الصناعي إلى الاقتصاد المستند بالأساس إلى تبادل الأوراق المالية وقطاع الخدمات والتكنولوجيا. فألفريد مهندس السكة الحديد التقليدي الذي يشعر بولاء كبير لشركته التي أفقرته بعد أن اشتراها مستثمر سرّح الكثير من العمال، يمثل النظام الاقتصادي القديم لأمريكا أواسط القرن العشرين. وأولاده، طاهية ومدير بنك استثماري وأستاذ جامعي/مثقف وناقد بشكل عام، يمثلون النظام الاقتصادي الجديد مع بداية الألفية، هم بين التبعية له والتمرد عليه، وما يصاحب هذا وذاك من تحولات فردية. أما متن الرواية فهو عن الصراعات والتناقضات في أسرة تعاني من شيخوخة الأب ومشكلة حالة الاستهلاك الشره التي يعاني منها المجتمع الأمريكي. فلا توجد هنا علاقة إنسانية واحدة مُنزّهة عن التأثر بأمراض المجتمع، ولا ينجو أحد إلا عندما يتوصل لحل تكيفي أو جذري للتعامل مع تيار الحياة المادية العارم المسيطر على كل شيء.

 بالإضافة إلى الروايات، نشر فرانزن بعض المقالات المهمة في مجلات أدبية، منها “مانيفستو أدبي” نشره في مجلة هاربر عام 1996 تناول فيه دور الروائي في عالم الإعلام الحديث الذي يبدو أنه لم يعد بحاجة للرواية، فرفض اعتبار أن الهدف من كتابة رواية اجتماعية كبرى هو التركيز على القضايا والأفكار، وأعلن تفضيله لتناول حياة الشخصيات ومشاعرهم والغرق في التفاصيل. لكن يبدو أنه نجح في التوفيق بين الاتجاهين في “التصحيحات” التي قدمته للعالم بصفته “الكاتب الأمريكي الكبير”. وفي عام 2002 نشر فرانزن نقداً لروايات الكاتب الأمريكي الكبير ويليام جاديس، وتحدث عن كيف يرى بعض من قرأوا “التصحيحات” أنها رواية “نخبوية” في بعض أجزائها، وعرض لآرائه عن كيفية قراءة الأدب الصعب، فاقترح القياس على “نموذج التمثال/النحّات” حيث هدف الأدب هو الفن، بالإضافة إلى “نموذج العقد”، حيث هدف الأدب هو التسلية، واعتبر نفسه مراعياً للنموذجين على حد سواء. كما نشر في عام 2002 مجموعة مقالات “كيف تكون وحيداً” هي مجتمعة بمثابة اعتذار للقارئ، يعرض فيها علاقته غير المستقرة بمكانة الأدب من المجتمع المعاصر. كما يتناول آثار طفولته ومراهقتهعلى حياته الإبداعية، وقد تناول نفس هذه النقطة في كتاب بين المقال والمذكرات هو “مساحة الاضطراب” نشره عام 2006. 

كما ترجم جوناثان فرانزن مسرحية للكاتب المسرحي الألماني “فرانك ويديكايند” (1864 – 1918) بعنوان “الربيع يصحو” في 2007. وفي حديث له بعد نشرها قال إنه ترجمها لمسرح إحدى الجامعات في عام 1986 مقابل 50 دولاراً ثم استقرت في درج مكتبه عشرين عاماً بعد ذلك. وبعد عرض المسرحية في برودواي قال فرانزن إنه نشرها “لأنني كنت أعرف أنها ترجمة جيدة، أفضل من ترجمات كثيرة على الساحة”. كما نشر فرانزن مقالاً عن التليفونات المحمولة، والوجدان، وانحسار المساحات العامة، بعنوان “اتصلت لأقول لك إنني أحبك” في عام 2008. وفي 2012 نشر مجموعة مقالات بعنوان “بعيداً أكثر” شملتأفكاره عن التكنولوجيا وبعض الموضوعات الذاتية. وقيل عن المجموعة في صفحة الكتب بجريدة النيويورك تايمز: “يظهر من الكتاب سخاء فرانزن، وإنسانيته وحبه للأدب، وكذلك تفضيله للقضايا الأخلاقية المعقدة على ما هو وجداني. إنه الصراع من أجل أن تكون إنساناً حقيقياً في مواجهة النرجسية.. ترى هذا الصراع في كل صفحة من الصفحات. ليس هناك ما هو أفضل من هذا الكتاب لتقديم ضمير أحد كبار كتابنا المعاصرين”.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق