الخميس، 7 يوليو 2016

حكاية “ عزرا باوند ” الذي خان بلده من أجل موسوليني


كتب: وكالات أنباء
22 فبراير 2015



ما من أحد مثّل "الجيل الضائع" أفضل من الشاعر والموسيقي وكاتب المقال عزرا باوند، وما من أحد من هذا الجيل تم تجاهله، على مستويات كثيرة، مثله أيضاً، والسبب في ذلك أنه كان من أشد المتحمسين لنظام موسوليني الفاشي، استخدم باوند موهبته المتقدة كأداة دعائية لفكره الأيديولوجي خلال الحرب، وبمجرد أن انتهى الصراع، حكمت عليه الولايات المتحدة بالخيانة، ومن خلال وساطة مشاهير العالم في الثقافة، ومن بينهم همينغواي، استطاع تجنب حكم الإعدام عند وصفه بالمجنون، أما آخر معروف قدمه له عالم الثقافة، فكان نشر أعماله كاملة.

ويُقال إن الاسم التراجيدي"الجيل الضائع" مشتق من حوار بين الشاعرة جرتورد ستين وإرنست همينغواي، الذي سمّى عواقب الحرب وتأثيرها في أكثر الأجيال الأدبية لمعاناً في القرن العشرين بأنها "الجيل الضائع"، والحق أن الحرب العالمية الأولى، والاكتئاب الكبير والحرب العالمية الثانية، فتحت قناةً في حياة وأعمال مجموعة أدبية عاشت في تلك الفترة، إذ عمل همينغواي ودوس باسوس كسائقين لعربات أسعاف، وسكوت فيتزجيرالد في الجيش الأمريكي رغم أنه لم يدخل المعركة، ثم جاءت الحرب العالمية الثانية لتخط روح هذه المجموعة، التي لجأت للكحول والاكتئاب والتراجيديا. 

حياة عزرا باوند كانت ضحية للأحداث التاريخية، ولد في 30 أكتوبر 1885 في هيلي (الولايات المتحدة)، وانتقل في شبابه المبكر إلى نيويورك، وبعد تخرجه من جامعة بنسلفانيا في اللغات الرومانية، سافر إلى لندن عام 1908 ليعمل كمراسل لعدة مطبوعات للولايات المتحدة.

ومنذ فترة الدراسة كانت تبدو عليه علامات الموهبة الاستثنائية والسلوك الغريب، دافعت أعمال باوند، المتأثرة بأدب القرون الوسطى والفلسفة الباطنية والتصوف النيوروماني، عن استعادة الشعر القديم لوضعه في خدمة مفهوم حديث ومفهومي، بالإضافة، قام بجهود كبيرة لنشر شعر بروفنزال(فرنسا) والصيني لمتحدثي الإنجليزية. 

أصدقاء باوند ومكتشفهم 
خلال إقامته في لندن، تزوج باوند من الروائية دوروثي شكسبير وصادق دبليو بي ياتس، الذي اعتبره أفضل شاعر حي وعمل كسكرتير لديه، في تلك الفترة أيضاً عقد صداقة مع تي إس إليوت، وطبع عمله "الأرض الخراب"، ثم انتقل إلى باريس عقب الحرب العالمية الأولى لينصهر في تيارات الطليعة، وهناك صادق مارسيل دوكامب، تريستان تزارا، فرناند ليجيه، وآخرين من الدادائية والسوريالية، كما اتصل بدوائر أدبية من المنفيين الأمريكان بفرنسا، ومن بينهم همينغواي وستين.

كتب همينغواي عام 1925: "يكرس باوند خمس وقته لشعره وبقية الوقت يكرسه لتحسين حيوات أصدقائه، يدافع عنهم عندما يهاجمهم أحد، ينشر لهم أعمالهم في المجلات ويخرجهم من السجون ويقدم لهم الأموال، يبيع لهم لوحاتهم، ينظم لهم حفلاتهم الموسيقية، ويكتب مقالات عنهم، يقدمهم للنساء الثريات، ويتكلم مع الناشرين لنشر أعمالهم، ويصحبهم بالليل عندما يقولون إنهم يحتضرون ويوقّع على وصاياهم، يدفع لهم نفقات المستشفى ويبعد عنهم فكرة الانتحار، وفي النهاية يسنون له السكاكين وينتظرون الفرصة الأولى للقضاء عليه".

كان باوند يميز بحاسته السادسة الموهبة الحقيقية، ويقدم لهم المعونات الاقتصادية إن احتاجوا، هكذا ساعد تي إس إليوت ودي إتش لورنس وروبيرت فروست ودوس باسوس، وهمينغواي نفسه.

سقطة عزرا كانت تأييده وإعلان إعجابه بالديكتاتور الإيطالي موسوليني والنازي هتلر وامتداحه لموهبة ستالين الاستراتيجية، بينما كان يعتبر شرشل وروزفيلت مسؤولين عن كل شرور المجتمع الحديث، لكن باوند كان مؤيداً للفاشية لكراهيته للنظام الرأسمالي، وليس لأسباب عنصرية على الإطلاق. 

من صوت الفاشية لمجنون زائف
بين عامي 41 و43، ارتفع صوت باوند كدعائي للفاشية، كما أعار موهبته للصحافة والراديو، وشارك بشكل كثيف في النشاطات الثقافية التي طورها النظام، وبنهاية الحرب وسقوط موسوليني، تم القبض على باوند، وكان في الستين، ووضعه في معتقل المسجونين بـ بيسا، حيث كان يمكن تمييزه بشعره الأحمر وكتاب كونفوشيوس الذي لا يفارقه، بجانب قاموس صيني إنجليزي. ثم تم نقله لواشنطن، بتهمة الخيانة العظمى للولايات المتحدة. 

في عام 2011، كتب الروائي الإسباني خوستو نابارو عن سلوك باوند خلال الحرب في رواية بعنوان "الجاسوس"، في هذا العمل الخيالي، تناول كيف كان موظفو الدولة الإيطالية يتعاملون مع خطب باوند الإذاعية كرسائل مشفرة تخدم الحلفاء. 

وفي الوقت نفسه، يتوقف الروائي أمام إعجاب أحد مؤسسي السي آي إيه جيمس أنغلتون بالشاعر، وهو نفس العميل الذي سافر لإيطاليا لتنظيم شبكة تجسس، وهي التفصيلة التي جعلت نابارو يميل لافتراضية أن يكون باوند عميلاً مزدوجاً. 

على أي حال لم يثبت كون باوند عميلاً مزدوجاً، ما حدث أنه تم إتهامه بالخيانة لبلده، وهي التهمة التي دفع ثمنها حتى موته، ولولا الشهادات التي قدمها مثقفون تثبت جنونه، لانتهت حياته بحكم إعدام.

ــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق