ترجمة: محمد الضبع
في ربيع سنة ١٩٧٠، طارد الكاتب الذي تجاوز السبعين عامًا فلاديمير نابوكوف فراشة برتقالية على مرتفعات جبل إتنا، وهو يتعرق ويلهث ويتنفس بصعوبة، وشفاهه بيضاء معقودة بالعطش والحماس. ليضع العينة في الجيب الداخلي لمعطفه، وهو الشعور الذي تحدث عنه لمراسل النيويورك تايمز قائلًا: "إنه الشعور ذاته الذي يأتيني وأنا على طاولة الكتابة".
بدأ نابوكوف بجمع الفراشات منذ أن كان طفلًا في روسيا، وعندما هاجر إلى الولايات المتحدة الأميركية قضى سنواته الأولى وهو يعمل في عدة متاحف، وانشغل بنشر عدة أوراق علمية حول جمع الفراشات.
منذ أن نجحت روايته لوليتا في منتصف خمسينات القرن الماضي، حاول نقاد الأدب وعلماء الفراشات من محبيه إعادة تخيل رحلات صيده المنعشة، لأنه من الممكن اكتشاف الطريقة التي يفكر فيها من خلال فهم الطريقة الخاصة التي كان يصيد بها الفراشات.
في سنة ٢٠٠٠، قام روبرت مايكل بايل، محرر سيرة نابوكوف بمحاولة محاكاة إحدى رحلات نابوكوف عبر جبال الألب في سويسرا سنة ١٩٧٧، حيث استقر نابوكوف لنهاية حياته في فندق قصر مونترو. وفي كتاب "خطوط دقيقة"، الذي صدر حديثًا ليتناول الجانب العلمي من حياة نابوكوف، يقوم عالم الحشرات روبرت ديريغ بزيارة لأحد المناطق التي اعتاد نابوكوف الصيد فيها قرب جبال الدخان، وهذا بالضبط ما فعله علماء آخرون قاموا بكتابة تجاربهم في فصول هذا الكتاب.
قام نابوكوف برسم أكثر من ١٠٠٠ رسمة علمية خلال مسيرة بحثه، وفي الكتاب "خطوط دقيقة"، يتم تناول وعي نابوكوف الفني والإبداعي. لأن رسماته تظهر اهتمامًا مختلفًا بالفراشات.
كان نابوكوف قد حصل على منصب أمين الفراشات في متحف هارفرد لعلم الحيوانات المقارن، وأرسل رسالة إلى صديقه "إدموند ويلسون" مازحًا: " لقد تمكنت من الوصول إلى هارفرد بسبب فراشة." وكان جميع الأمناء في المتحف آنذاك يحملون شهادة الدكتوراه ما عدا نابوكوف.
وخلال هذه الفترة التي تكونت من سبع أو ثماني سنوات، تمكن نابوكوف من إنجاز الجزء الأكبر من عمله، بتصنيف مجموعة من الفراشات تحت اسم "أزرق"، وهذا يعني أن عليه أن يجد العلاقة بين مختلف أنواع الفراشات لجمعها ووضعها تحت هذه المجموعة. كانت تصنيفاته تسعى لإظهار المنحى التطوري في الفصائل، وليس فقط الصفات الأفضل بينها. وكان هذا المشروع فائق الصعوبة، لأن العديد من الفصائل الزرقاء كانت مهجنة، وأغلبها يبدو متشابها، وتملك الصفات ذاتها والتصرفات أيضًا، ولم يكن واضحًا أبدًا ما هي المعايير التي يمكن من خلالها أن يتم تصنيف الفصائل.
وكان أهم نتائج نابوكوف في هذا الحقل هو فكرته القائلة بأن الفراشات الزرقاء جاءت من آسيا، وعبرت مضيق بيرنغ، ثم اتجهت جنوبًا نحو أميركا.
عندما توفي نابوكوڤ سنة 1977، كان يعمل على كتاب جديد باتجاه علمي، "تاريخ مصور للفراشات في الفن،" منذ تاريخ مصر القديمة وحتى عصر النهضة. وكان قد تنقّل بين بلدات صغيرة في إيطاليا وفرنسا وهولندا، وكان يسأل أمناء متاحف الفراشات، ويقول "وفي بعض الحالات تعبر الفراشة عن رمز ما، يقع تمامًا خارج دائرة اهتماماتي."
ـــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: جريدة الرياض، 27 أبريل 2016م، العدد 17474.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق