عادل علي
تاريخ النشر: 13 نوفمبر 2007
فقد
الأدب الأميركي المعاصر عميده المؤسس وابنه المشاغب في آن. فبرحيل نورمان ميلر
الفائز بجائزة بوليتزر الصحفية مرتين، يخسر الوسط الثقافي الأميركي مادة للجدل
والسجال، شغلته طيلة عقود. فقد أثار ميلر الجدل بسبب أسلوبه غير التقليدي، ودفاعه
عن الماركسية وعدم اعتناق دين بعينه ومعاداته للحركة النسائية.
بدأ
ميلر مسيرته الأدبية ككاتب روايات قصيرة في الصحف الأميركية أشهرها ''جيوش الليل''
ليبلغ أعلى مراتب الشهرة بحصوله مرتين على جائزة بوليتزر الشهيرة.
غزارة
أدبية
ولميلر
شهرته الواسعة في الحياة الاجتماعية التي تسير جنبا إلى جنب مع صخبه وغزارته
الأدبية، فهو واحد من أكثر روائيي العالم شهرة، فضلا عن كونه كان يتحدى أبطال
الملاكمة، كما أسس منظمة لمراقبة وكالة الاستخبارات المركزية، وعلى غرار حياته
الأدبية التي اتسمت بالمواقف الحادة حيث حمل منتصف الخمسينيات لواء محاربة الثقافة
الأميركية وشارك خصوصا في تأسيس اسبوعية ''فيلدج فويس'' للمثقفين الملتزمين.
واهتم
ميلر في أعماله بمختلف القضايا الأميركية، الجيش والسياسة وقضايا المرأة، وغزو
الفضاء. كما كتب عن شخصيات شهيرة مثل مارلين مونرو، ازوالد، محمد علي كلاي، هنري
ميلر وبيكاسو وعن المسيح، ومن أعماله ''إنجيل الابن''، ''نزال العصر''، ''جيوش
الليل''، ''أغنية ضابط الإعدام''، ''المباراة''، ''الشاطئ البربري''، و''الحلم
الأميركي''، و''لماذا نحن في فيتنام؟''، ومن أشهر رواياته ''العراة والموتى''.
ورغم
أن أغلب روايات ميلر لم تحظ كثيرا بنجاح كبير ولكنه اشتهر كرائد لمدرسة الصحافة
الحديثة التي يجمع أسلوبها بين الأحداث والشخصيات الواقعية وبين الأسلوب الروائي
الخيالي.
موطن
الشر
ونشرت
أحدث رواياته العام الحالي تحت اسم ''القلعة في الغابة'' وتدور أحداثها الخيالية
حول حياة أدولف هتلر.
وفي
حديث لمجلة ''لوبوان'' الفرنسية، شرح ميلر سبب اختياره لشخصية هتلر بالقول: ''أردت
أن أظهر الدور الرئيسي للشيطان في بناء شخصية ما يرى فيها عدد كبير من الناس موطن
الشر. وكان عليّ أن أعود إلى شجرة عائلة هتلر، والبحث والتنقيب للتوصل إلى شرح
وتطبيق النظرية الشيطانية. أجل، فأنا أؤمن بذلك. في البداية، أردت أن أكتب ثلاثية
مدعّمة بالوثائق. وأنا أحلم بتحويل عدد كبير من المشاهد المستحيلة والصعبة
والمتخيّلة كمثل مشاهد لقاء هتلر بستالين. وبالنسبة لميلر، فإن الرواية والسيرة
الذاتية هما شيء واحد وكما يحدث مع رجل مسن، يعود ذهنه الى طفولته: ''في عام ،1932
علمت والدتي إن هتلر سيكون كارثة بالنسبة لليهود ولهذا السبب فإنه كان معي منذ أن
بلغت التاسعة، وأمضيت زمناً وانا افكر فيه طوال حياتي''. ويضيف: ''لقد تجاوز هتلر
حدود التنوير وليس هناك في حكمة وفلسفة التنوير ما يتيح لك فهمه انه يتجاوز كل
المقاييس'' ويتابع: ''هل تعلم إن الضرر الأكبر الذي أحدثه هتلر في اليهود بعد قتله
اياهم، هو تعطيل عقول من تبقى منهم''. وفي حوار أجراه معه الروائي الاسكتلندي
أندرو أوهاجان ونشرته ''الباريس ريفيو'' تحدث عن واقعة انتحار الروائي الأميركي
أرنست همنجواي وكيف تلقاها، فيقول: ''لقد كرهت التفكير في موته بهذا الشكل. آثرت
استبدال ذلك بأطروحة: لقد تعلم همنجواي مبكرا خلال حياته أنه كلما تجاسر على الموت
كان أفضل. لذا فقد طرأت ببالي فكرة أنه ليلة بعد ليلة وفيما كان همنجواي وحيدا،
وبعد أن ألقى تحية المساء على ماري، ذهب همنجواي إلى حجرة نومه ووضع إبهامه على
زناد البندقية واضعا الفوهة في فمه ثم عصر الزناد قليلا. كان يجرب رؤية ما قد كان
أوشك عليه دون أن ينفجر جسده. في ليلته الأخيرة ذهب لأبعد من ذلك. بالنسبة لي يبدو
ذلك معقولا بدرجة أكبر من مجرد تفجير نفسه إلى أشلاء''.
عملية
تناسخ
ويؤمن
ميلر بالتناسخ، وعن توقعاته لحياته التالية يقول: ''حسنا، أنا في انتظار ما سيأتي؟
أنا في غرفة الانتظار. وأخيرا نودي على اسمي، أذهب حيث يوجد من يراقب فيقول، سيد
ميلر، نحن سعداء جدا بلقائك. الأنباء الطيبة هي أنك على وشك عملية تناسخ. أقول، شكرا،
فأنا لم أرغب أبدا في سلام أبدي. يقول المراقب، طيب، لكن فيما بيننا، فهو ليس حقا
سلاما أبديا، بل بالأحرى محموم قليلا. دعني أرى، قبل أن أنظر وأرى ما أعددنا لك،
دائما نسأل الشخص: ماذا ترغب في أن تكونه بحياتك القادمة؟ وأقول، طيب، أظن أنني
أريد أن أكون رياضيا أسود. لا أهتم بالمكان الذي تضعني فيه، سأنال فرصي، لكن نعم،
هذا ما أريد أن أكونه، رياضيا أسود''. ويتابع ميلر ''تخيلاته'' شارحا: يقول
المراقب: اسمع سيد ميلر، لدينا طلب زائد على هذا القسم، الجميع يرغبون في أن
يصيروا رياضيين سود في حيواتهم التالية. دعني أرى ما أعددناه لك. وهكذا يفتح
الكتاب الكبير، ينظر ويقول، لقد حجزنا لك حياة صرصور. لكن ثمة أنباء طيبة: ستكون
أسرع صرصور في البناية''.
الجذور
ولد
ميلر في 31 يناير (كانون الثاني) من عام 1923 في مدينة لونج برانش في نيوجيرسي، من
أب محاسب ولد في جنوب إفريقيا وأمّ كانت تدير وكالة للأعمال المنزلية والتمريض،
قبل أن ينتقل الجميع إلى بروكلين في نيويورك التي وصفها لاحقا بأنها ''أفضل بيئة
يهودية آمنة في أميركا''. كانت حياته الشخصية مليئة بالتقلبات إذ إنه تزوج ست مرات
وأنجب خمس بنات وثلاثة أبناء. وتعرض ميلر لعدد من محاكم الطلاق الشهيرة، حتى أنه
قال في أحد اللقاءات: ''إن المرء لا يعرف شيئا عن المرأة حتى يلتقي بها في قاعة
المحكمة''. وكان قد دخل مصحة عقلية لطعنه زوجته الثانية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر : جريدة الاتحاد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق