أليكس بيم - ترجمة، محمد الضبع
هنالك ثلاث فترات مهمة في قصة الكاتب الشهير نابوكوف. وصل الروائي الأربعيني إلى الولايات المتحدة الأميركية سنة 1940، وخلفه مسيرة طويلة من الكتابة في أوروبا؛ ليجد نفسه غير معروف لدى القارئ الأميركي، ولكنه في السنوات اللاحقة أصبح أشهر كاتب روسي مهاجر في تلك الفترة، وحتى قبل أن يهم بإحضار عائلته إلى أميركا، بدأ بالكتابة باللغة الإنجليزية. وكان والده يقرأ له مقاطع من ديكنز عندما كان طفلًا قبل أن يعلمه الروسيّة. ويكتب نابوكوف رغم هذا عن اللغة الروسيّة قائلًا:
"توسكا: كلمة روسية تُرجمت بالكاد إلى الإنجليزية لتصبح بمعنى الحزن، التجهم. لا توجد كلمة واحدة في الإنجليزية تستطيع لمس كل ظلال كلمة توسكا. في أعلى مراحلها عمقًا وألمًا تكون عبارة عن الإحساس بالكرب الروحي العظيم، غالبًا دون سبب يذكر. وفي بعض مراحلها السطحية تكون عبارة عن حكة بليدة في الروح، حنين إلى لا شيء، لهفة مريضة، قلق غامض، مخاض عقلي، وشوق أيضًا. أما في أدنى مراحلها فلا تكون سوى الملل". قضى نابوكوف الثلث الأخير من حياته في عزلة تامة حين أقام في فندق قصر بسويسرا. حينها كتب الروائي روبرت روبر كتابه الجديد "نابوكوف في أميركا"؛ ليصف تلك الفترة بالأسعد والأكثر إنتاجية في حياة نابوكوف، العشرون سنة التي قضاها هناك جعلته يشعر وكأنه في موطنه. ويقول روبرت عن ذلك: "هنالك جمال وسحر يغشى جميع أعمال نابوكوف، لكن وصف العظمة لا ينطبق إلا على أعماله في أميركا". وكان روبرت على حق. الأعمال التي كتبها نابوكوف في أميركا، والتي تمثل فقط أقل من نصف أعماله الكلية، تجعل أي كاتب يغار من صاحبها. كانت سنوات كتابة "لوليتا" من أجمل وأمتع السنوات التي عاشها نابوكوف في الغرب. المعنى الأميركي كان مصيريًا بالنسبة له. غذّى أعماله وأعطاها المدى والاتساع اللازم. تلك العدة القديمة الميتة التي جاء بها من أوروبا بعثت للحياة مرة أخرى في أميركا. واكتشف نابوكوف شخصيته "همبرت همبرت" في أميركا، متمثلة في شخص بروفيسور اللغة ولاعب الشطرنج هنري لانز، الذي التقاه في ستانفورد، والذي كان لديه بعض الرغبات الخفية التي اكتشفها نابوكوف واستخدمها في روايته "لوليتا". أنكر نابوكوف صلة هنري لانز بالرواية. أنكر نابوكوف كل شيء. إنه الرجل الذي عرّف الواقع بقوله: "هو احدى الكلمات التي لا تعني شيئًا دون اقتباس". تحدث روبرت في كتابه أيضًا عن "ديميتري" ابن فلاديمير وفيرا الوحيد، وأطلق عليه اسم "الابن الأميركي"، ولد ديميتري في فرنسا وأصبح "متأمركًا" في مدارس نيو إنجلاند الخاصة وفي هارفرد. التحق ديميتري بالجيش وعمل بعدها في CIA. وكالأميركيين الحقيقيين بدأ أفراد عائلة نابوكوف بتعريف مراحل حياتهم بالسيارات التي امتلكوها. ولكنهم في النهاية أحبوا أميركا. ورغم مشاعر نابوكوف الكبيرة لأميركا، إلا أنه اختار أن يعيش قرب ابنه، فرحل إلى أوروبا، ليقترب أيضًا من موطنه روسيا. ولم يعد إلى أميركا إلا مرتين بعد سنة 1959؛ مرة ليحضر حفل إطلاق فيلم لوليتا، ومرة ليحضر تدشين ترجمة لأحد كتبه.
ـــــــــــــــــــــــــ
المصدر : جريدة الرياض، 29 يونيو 2015م، 17171.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق