الخميس، 7 يوليو 2016

أناييس نن: هنري استخدم حبي بشكل رائع.. لقد شيد بواسطته الكتب!

إعداد- محمـد الضبــع



كان لدخول هنري ميلر إلى عالم عائلة غويلر الكريم والساحر، تأثيره الكبير على صفحات أناييس نن التي كانت تدونها في ذلك الوقت. "أنا أغني! أنا أغني! ليس سرًا ولكن بصوت مرتفع،" وكتبت أيضًا في ديسمبر 1، 1931. "لقد قابلت هنري ميلر. لقد رأيت رجلًا أعجبني … رجلًا مثيرًا للإعجاب، ليس متعجرفًا بل قوي، رجل بشري على وعي مرهف بكل شيء. إنه رجل جعلته الحياة ثملًا … إنه يشبهني."

 في الجزء الأول من يومياتها المنشورة، والتي بالتأكيد تزامنت مع دخول ميلر إلى حياتها، نجد وصفًا دقيقًا للرجل: "لقد كان دافئًا، مبهجًا، مسترخيًا، طبيعيًا. من الممكن أن يعبر بين الحشود دون أن يلاحظه أحد. كان مرهف الحس، نحيلًا، ليس فارع الطول. كان يبدو كراهب بوذي، راهب ذو بشرة وردية، برأسه الخالي من الشعر تقريبًا، الذي تتخلله شعرات فضيّة مليئة بالحياة، وفمه الكامل الحس. وعيناه الزرقاوان، باردتان وشديدتا الملاحظة، ولكن فمه حساس جدًا وهش. ضحكته معدية وصوته لطيف ودافئ مثل صوت زنجي." وتضيف أناييس: "لقد كان مختلفًا جدًا عن كتابته الوحشية، العنيفة، القاتلة، عن شخصيّاته، مسرحياته الثوريّة، عن مبالغاته. تقول أناييس عن هنري: "هو لا يكتب بحب، بل يكتب ليهاجم، ليسخر، ليحطّم، ليتمرّد. هو دائمًا ضد شيء." وتقول أيضًا: "أتقاسم مع هنري الغضب ليس على أخطاء النساء، بل على قذارة الحياة نفسها." 

وعندما بدأت أناييس بدعم هنري ميلر لينشر كتابه "مدار الجدي" كتب عنها هذه الأسطر التي تعود لعام 1931 عندما جلس هنري ميلر مع أناييس نن لأول مرة لتناول الغداء في لوفيسيان: "المرأة التي لم تكن تحلم بلقائها تجلس أمامك الآن، وتتكلم وتبدو كما تخيلتها في حلمك تمامًا. ولكن الأغرب من كل هذا أنك لم تدرك إلا الآن أنك كنت تحلم بها طوال الوقت." حتمًا، عندما بدأت أناييس بالوقوف إلى جانب هنري -وهي التي تعتمد على زوجها اعتمادًا كاملًا من الناحية المادية- كان لها دور كبير في إعطائه المال، جلب الكتب له، الهدايا الصغيرة، الطعام، وتذاكر حضور السينما؛ مما جعل عددًا من أصدقائها يحذرونها من هذا الفعل، ويرون هنري ذلك المتسول الانتهازي المتشرّد، الذي وجد مَن يتطفل عليه. لقد فشلوا في رؤية سحره، وفي تقدير موهبته. وحتى أن زوج أناييس حذرها من هذا الأمر في كثير من الأوقات. أناييس نن كانت واثقة ومقتنعة للغاية بصحة وأهمية موهبة ميلر، تخلل هذه الثقة بعض الشكوك حيال شخصيته، إخلاصه، وتفهّمه. "عندما أعطيت هنري وزوجته جون أول قدر كبير من المال وصرفاه بأكمله في ليلة واحدة على الشراب، كنت أشعر بأنني قد جرحت، ولكن سرعان ما تفهّمت الأمر. لقد أعطيته لأنني أردت العطاء-وأعطيته معه الحريّة في الوقت ذاته. وإلا لن يكون هذا عطاءً، بل أخذًا." وعندما نظرت إلى سنتها الأولى مع هنري عادت لتضيف هذا: "لاحقًا أعطيته الحب … هنري استخدم حبي بشكل رائع، بالغ الجمال-لقد شيّد بواسطته الكتب". 

ولكن الأمور لم تستمر بينهما على هذا الحال، بعد سنة 1940 عندما بدأ هنري ميلر يحس أن حياته في باريس أوشكت على النهاية، كتب إلى صديقه والاس فولي. "لقد فقدت أناييس إيمانها بي وفقط عند تلك اللحظة -برغم أنها لم تكن تعي ذلك- كنت أخوض أكبر معارك حياتي، ولو أنها بقيت معي، لكانت فخورة بي. لقد كانت ومازالت بالنسبة لي أعظم إنسانة عرفتها على الإطلاق، إنها روح مخلصة. أنا مدين لها بكل شيء." وفي آخر رسالة أرسلتها أناييس له، كتبت: "أراك سليمًا من التشوهات [الآن] وهذا يجعلني أكتب لك لأول مرة دون تكلّف سببه جمود الرؤية الشخصيّة. ربما لو كنتُ أملك وقتها حس الفكاهة الذي أملكه الآن، ولو كنتَ تملك وقتها الصفات التي تملكها الآن، لما انكسر شيء بيننا." كان قرار القطيعة الذي اتخذاه في السنوات التالية، مؤكدًا على صداقتهما ككاتبين، وعلى سكوتهما المعلن عن ماضي الحب الذي كان بينهما. وهذا يؤكد على ما كتبته أناييس نن في مذكرتها السريّة منذ وقت طويل، في الثالث والعشرين من يوليو، 1932، في ظهيرة يوم ممطر، بينما كان زوجها مشغولًا بقراءة كتاب إلى جانبها: "هنري في ذاتي إلى الأبد، حتى وأنا أعتزم بحكمة إنهاء حبنا للأبد. مازلت أرى الصداقة مستمرة، ما استمرت الحياة. يبدو لي اليوم كما لو أن هنري سيظل جزءًا من حياتي لسنوات طويلة، حتى لو كان حبيبي فقط لأشهر قليلة."

ـــــــــــــــــــــ
المصدر: جريدة الرياض، 20 أكتوبر 2015. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق