بهاء عبد المجيد
7 يونيو 2016
«غاتسبي العظيم»، هي الرواية الأميركية الأهم للقرن العشرين بالنسبة إلى بعض النقاد على رغم أن استقبالها لم يكن كما خطَّط له الناشر أو المؤلف. فالرواية لم تبع غير 20 ألف نسخة عند طرحها عام 1925 في ظل شبح الأزمة الاقتصادية التي انعكست ركوداً حتى على مستوى قراءة الكتب. وبرر الكاتب نفسه عدم نجاحها إلى أنها لا تحتوي على شخصية نسائية قوية، لذلك لم تتعاطف معها النساء ولم يشترينها كما ينبغي. لكن الرواية ما لبثت أن أخذت المكانة التي تستحقها لكاتب كبير مثل ٍسكوت فيتزجيرالد.
الرواية تم استقبالها بين مؤيد وغير راض لجهة أسلوب كتابتها وبنائها، ومنهم من رأى أنها حنين لفترة ستذهب حتماً بتغير المجتمع. بعض النقاد رأى أن الرواية ينقصها النضج الفني ووجهة النظر الواضحة، والبعض رأى أنها تمثل أضعف الروايات التى كتبها فيتزجيرالد. ولكن بمرور الوقت أصبحت تلك الرواية من روائع الأدب الأميركي، بغض النظر عن شعبيتها وحجم مبيعاتها، وتجلى ذلك خصوصاً في اقتباسها المتكرر في عدد من الأفلام حتى أصبحت من علامات السينما في هوليوود. حياة سكوت فتزجيرالد ( 1896 - 1940) روائية في حد ذاتها، فقد مات أخوه وهو صغير وعاش حياة مضطربة في صباه وشبابه. ولد في مينسوتا وتخرج في جامعة برنستون، ثم التحق بالجيش، وهناك أدرك معنى الحياة. مارس الرياضة وكان يرغب في احترافها، لكنه قرر أن يكون كاتباً. أخذ يكتب القصة القصيرة وينشرها في مجلات مختلفة للحصول على المال اللازم للتفرغ لكتابة الرواية. وكان لهيمنغواي تأثير كبير على فيتزجيرالد ومسيرته الأدبية وعلى نمط حياته، فهو ينتمى إلى مجموعة «الجيل الضائع»، وبخاصة الذين رحلوا إلى باريس فى العشرينات بحثاً عن الشهرة.
تابع رحلته الأدبية بكتابة الروايات التي كان يستمد مادتها من حياته، خصوصاً علاقته بزيلدا ساير (1900 - 1948) التي عاش معها في مسكن متواضع، لكن سرعان ما اضطرب ارتباطهما بسبب القلق النفسي الذي كانت تعاني منه زيلدا والذي أوقعها في براثن الاكتئاب والفصام، خصوصاً عندما منع فيتزجيرالد نشر رواية كتبتها، حتى لا تصبح حياته الشخصية مادة للكتابة. ولم يتورع فيتزجيرالد عن خيانة زيلدا مع امرأة أخرى تدعى شيلاه جرهام، بعد تدهور حالتها النفسية ونقلها إلى مصح للعلاج. كان عالم الموسيقى والجاز من الموضوعات التي شغلت الكتابة الأدبية لدى سكوت ولم يدخر وسعاً أن يناقش الموسيقى وأنواعها فى كتابته لدرجة الاستغراق. وقد صور حياة المثقفين والفنانين في تلك الفترة الذهبية للعالم الجديد، وأيضاً صوَّر إحباطات الثلاثينات من غياب الحريات وسيطرة الفكر السياسي الديكتاتوري الذي لم يسمح للكتاب بالنقد أو اعتناق أفكار أكثر تحرراً. ولعل ارتباط سكوت بالسينما عام 1936 أثَّر كثيراً على نمط حياته وأيضاً على شهرته، فقد باع أكثر من قصة لهوليوود وتحولت غالبية رواياته إلى أفلام، وساهم هو نفسه في تحويل رواية «ذهب مع الريح» وغيرها إلى أفلام.
«غاتسبي العظيم»؛ تحكي قصة حب مأساوية بين غاي غاتسبي وديزي وراويها يدعى نيك كرويي، وربما يكون هو المؤلف نفسه. جاء نيك كرويي إلى نيويورك للبحث عن فرصة أفضل للحياة كموظف أصول عقارية وجاوَر غاي غاتسبي؛ هذا الشاب الثري الوسيم الذي يقيم حفلات في قصره كل ليلة سبت. يتعارف الجاران ويكتشفان أنهما كانا زميلين أثناء الخدمة العسكرية، وأن غاتسبي كان يعشق فتاة تدعى ديزي وهي قريبة نيك ومتزوجة من صديق له. يطلب غاتسبي من نيك أن يرتب له لقاء مع ديزي ليتصالحا، وبالفعل يحدث اللقاء وفي صباح اليوم التالي تصدم ديزي سيدة بسيارة غاتسبي التي كانت تقودها نيابة عنه. ولكن غاتسبي ينقذها بأن يدعي أنه هو الذي كان يقود السيارة.
ويكتشف زوج السيدة المتوفية شخصية غاتسبي فيذهب إليه فى قصره ويقتله. الرواية ترسم شكل تعقد العلاقات الاجتماعية في المجتمع الأميركي وأيضاً فساد الطبقة حديثة الغنى التي لا يهمها أي شيء غير الغنى الفاحش واستفزاز الطبقات الأخرى في المجتمع. ديزي لم تحافظ على رابطة الزواج وزوجها كان يخونها مع امرأة أخرى. وأدرك نيك أن عودتها إلى حبها القديم ربما يجلب لها السعادة بعدما شعر أن حب غاتسبي لها أكثر صدقاً من حب زوجها. الرواية هي دراسة للنمط الإنساني وسلوكه وأيضاً تشير إلى تطور المجتمع الأميركي وبخاصة الطبقة الجديدة التي ظهرت عقب الحرب العالمية الأولى. وتناقش أيضاً التلوث البيئي بسبب الثورة الصناعية وذلك في وصف الكاتب لمنطقة «اش فالي»؛ أرض الرماد التي تعيش فيها عشيقة «توم بكنن»، زوج ديزي، وهي منطقة يلفها الدخان والظلام ويشعر من يقطن فيها بالاختناق والسأم وكأنه في الجحيم. الرواية لا تهتم بما هو بيئي فقط، فهي تعكس أيضاً الفساد الأخلاقي والصراع الاجتماعي. فقرب الشاب نيك من شخصية غاتسبي استطاع أن يكشف موبقات المجتمع. فهذا جمع نقوداً من الابتزاز والرشوة، ثم غسلها وأصبح قصره مقصد الطبقات كافة.
استطاع الكاتب في هذه الرواية المعقدة في تكوينها السردي والبنائي أن يعكس أنماطاً وأشكال المجتمع الأميركي في فترة من فترات النمو الاجتماعي والبذخ الشديد الذي أدى إلى حالة الركود. هذا إلى جانب تصوير النمو الثقافي والفني في فترة العشرينات، متمثلاً في موسيقى الجاز والحركة السريالية في الفن والشعر. فيتزجيرالد هو امتداد للرواية الأميركية التي شكَّلت تاريخ الرواية العالمية المكتوبة باللغة الإنكليزية بدءاً من هنري جيمس وروايته «صورة سيدة»، وهنري مليفل ورائعته «موبي ديك»، و «الحرف القرمزي» أو «الزانية» لهوثورن. في رواية «غاتسبي العظيم»، انعكاس لأنماط الحياة وطبائع البشر فى الغرب الأميركي، فهي تعكس أسطورة الحلم الأميركي وأيضاً تعكس فشل هذا الحلم والتناقضات التي بنى عليه الحلم، فهي تطرح التساؤل المعضل: هل الحلم يتحقق بالعمل والمثابرة والفرص المتكافئة بين البشر أم بالخداع والفساد والرشوة؟ ارتبطت الرواية بتصوير النهضة الموسيقية للعشرينات والمعروفة بعصر الجاز وربما النهاية المأساوية لهذه الرواية تعكس اللحن الارتجالي لهذا النوع من الموسيقى.
ـــــــــــــــــــــــ
المصدر: الحياة اللندنية ، 7 يونيو 2016م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق