الخبرات السابقة للكاتب لا تعتبر مضيعة للوقت
د. حمد العيسى |
عندما ننظر إلى بعض مشاهير الكتاب في العالم يحسب البعض أنهم ولدوا مشهورين وأثرياء كما نراهم ولكن الحقيقة قد تكون خلاف ذلك كثيرا . يقول المثل الفرنسي «الألم العظيم ينتج عملا عظيما» ونعتقد أن هذا الأمر صحيح تماما في مجال الكتابة كما سنرى عندما نستعرض هنا البدايات الصعبة لبعض عمالقة الأدب في القرن العشرين التي جمعناها بسرعة من هنا وهناك. ولذلك نقول: نعم، إن معرفة البدايات المتواضعة للكتاب الأكثر نجاحا في التاريخ يمكن أن تكون تجربة علاجية لكتاب المستقبل لأن بعض أولئك المشاهير - ويا للعجب - عملوا في وظائف ليست لطيفة ولا مريحة على الإطلاق. وآخرون أثّرت بداياتهم المتواضعة في أعمالهم من شعر أو قصة أو رواية وهو ما يثبت مقولة إنكليزية قديمة وصادقة أصبحت مثل الكليشية: «الخبرات السابقة للكاتب لا تعتبر مضيعة للوقت». دعونا نأخذ جولة سريعة مع عشرة من عمالقة الأدب الحديث وماذا كانوا يفعلون من أجل لقمة العيش قبل شهرتهم:
(1) جيه كيه رولينغ
بعد حصولها على شهادة البكالوريس في الفرنسية، لم تجد السيدة رولينغ وظيفة سوى سكرتيرة في فرع منظمة العفو الدولية في لندن ثم فقدت تلك الوظيفة المتواضعة واضطرت للعيش على مرتب «الضمان الاجتماعي» للعاطلين حيث عانت من اكتئاب عنيف وكادت أن تنتحر قبل أن تنتهي من تأليف كتاب «هاري بوتر وحجر الفيلسوف» وهي القصة الأولى من سلسلة هاري بوتر التي صدر منها 7 أجزاء للمؤلفة البريطانية المولودة عام 1965. وهكذا انتقلت رولينغ من قاع الفقر إلى قمة الثراء خلال خمس سنوات فقط. وهكذا دشنت هذه القصة سلسلة روايات نتج عنها إمبراطورية مالية هائلة ومدهشة بعد بيع 450 مليون نسخة تقريبا من كتب رولينغ وإنتاج بعض الأفلام التي حققت أعلى الإيرادات في تاريخ السينما على الإطلاق.
(2) ستيفن كينغ
قبل نشره رواية «كاري» عام 1974 التي سبق أن رفضت عدة مرات من قبل الناشرين، كان ستيفن كينغ كاتبا محبطا. فبعد تخرجه من الجامعة عام 1970 بشهادة بكالوريوس في اللغة الإنكليزية لم يجد عملا كمدرس كما كان يحلم ولذلك اضطر للعمل فرّاشا في مدرسة ثانوية وكان يمسح الأرض ليكسب ما يسد رمقه. ولذلك، لا عجب أن أطفال المدارس كانت نهايتهم بشعة في رواياته. ولد الكاتب الأمريكي ستيفن كينغ عام 1947 واشتهر بلقب «ملك الرعب» بسبب رواياته التي تندرج ضمن أدب الرعب. وهو حائز على ميدالية مؤسسة الكتاب الوطنية لإسهاماته البارزة في الأدب الأمريكي. أصدر كينغ 49 رواية، و9 مجموعات قصصية، و9 كتب غير روائية وتم بيع أكثر من 350 مليون نسخه من كتبه حول العالم. تحول العديد من قصصه القصيرة ورواياته إلى أفلام سينمائية ناجحة. وحصل على عدد هائل من الجوائز نظير أعماله.
(3) تي إس إليوت
إذا كنت تظن أن الشعر والتمويل البنكي لا يوجد بينهما عامل مشترك، فعليك بإعادة التفكير لأن الشاعر الإنكليزي الأعظم تي. إس. إليوت (1888-1965) عمل موظفا في «بنك لويدز» في قسم حسابات المستعمرات والدول الأجنبية لمدة ثماني سنوات. وقال إليوت إن معظم أبيات قصيدته الخالدة «الأرض اليباب» تبلورت في مشواره من وإلى البنك. ثم ترك «بنك لويدز» ليعمل محررا لدى الناشر «فيبر آند غوير» ثم محررا لدى الناشر «فيبر آند فيبر» وواصل هذا العمل حتى أصبح مديرا للنشر في هذه الدار واستمر فيها حتى تقاعده. حصل على جائز نوبل في الأدب عام 1948. أصدر إليوت 26 ديوانا شعريا، ورواية واحدة، و9 مسرحيات، و44 كتابا أدبيا منوعا. يعتبر بحق أهم شاعر بالإنكليزية في القرن العشرين. تعتبر قصيدته «أغنية حب جي ألفرد بروفروك» تحفة فنية لحركة الحداثة وكان قد بدأها عام 1910 وأنهاها عام 1915.
(4) جيه دي سالينغر
كان مبغضا للناس بصورة أسطورية تصل للعداوة، منعزلا ومزدر ل «الزيف». سالينغر عمل ذات مرة كمقدم لبرامج الترفيه على مسرح سفينة سياحية سويدية فاخرة، ثم عمل في تجارة اللحوم، وربما ألهمت قصته القصيرة «تيدي». جيروم ديفيد سالينغر (1919 -2010) روائي أمريكي اشتهر بروايته «الحارس في حقل الشوفان» التي حققت نجاحا باهرا وصنفت بأنها من أهم روايات القرن العشرين. شارك في الحرب العالمية الثانية. واشتهر بطباعه الانعزالية التي بدأت عام 1953. لم ينشر سالينغر عملاً أدبياً مذ 1965. وكانت آخر مقابلة صحفية له عام 1980. أصدر ثلاثة روايات وخمس مجموعات قصصية وكان يعتبر مصدر إلهام لجيل كامل من الكتاب. باعت كتبه - رغم قلتها - 65 مليون نسخة.
(5) كورت فونيغوت
قد يتذكره محبو الأدب لأفضل أعماله وهي رواية «المسلخ رقم خمسة»، لكن الخبراء في السيارات قد يفضلون أن يتذكروا فونيغوت كأول مدير معرض لوكالة سيارات «ساب» في أمريكا، في كيب كود في ولاية ماساتشوستس. كورت فونيغت (1922 - 2007) كاتب أمريكي من أصل ألماني مشهور برواياته وقصصه القصيرة وميوله اليسارية . التحق بالجيش الأمريكي عام 1943، وقاتل في الحرب العالمية الثانية. ورغم كونه ملحدا، إلا أنه قال عام 2005، في حوار ردا على سؤال عن رأيه في وصف دبليو بوش للإرهابيين بالجبناء: «أنا أعتبر من يفجر نفسه شجاعا جداً». وعند الضغط عليه للمزيد أضاف: «الانتحاريون يموتون من أجل تحقيق احترام الذات. من الفظيع حرمان شخص ما من احترامه لذاته. إنه مثل اعتبار أن ثقافتك لا شيء، وأصلك العرقي لا شيء، وأنت لا شيء ... واعتقد أنه من النبل والشرف، أن يموت شخص في سبيل ما يؤمن به». أشهر رواياته «المسلخ رقم خمسة» تعتبر مزيجاً من الكوميديا السوداء والخيال العلمي، وتقوم فكرتها على مناهضة الحرب لأنها تؤدي حتماً إلى قتل المدنيين حيث صور فيها قصف الحلفاء الوحشي لمدينة دريسدن الألمانية في الحرب العالمية الثانية حيث قدرت الخسائر البشرية آنذاك فيها بأكثر من 100 ألف مدني. أصدر فونيغوت 14 رواية، و13 مجموعة قصصية، و7 مسرحيات، و5 كتب أدبية منوعة (نقد، حوارات معه، سيرة، فن الكتابة، ...إلخ).
(6) دوغلاس آدامز
رحلة دوغلاس آدمز من خلال الزمان والمكان وكوميديا كما في روايته الشهيرة «دليل المسافر إلى المجرة» جاءت إليه بينما كان يعمل حارس أمن لفندق في لندن. مما يجعلنا نشك أنه كان ينام فعلا أثناء العمل. دوغلاس نويل آدمز (1952-2001) روائي بريطاني وكاتب درامي إذاعى وموسيقار هاوي. من أشهر أعماله سلسلة روايات «دليل المسافر للمجرة» والتي بدأت كمسلسل إذاعى وتطورت فيما بعد لسلسلة روايات من خمس أجزاء (بيع منها أكثر من 15 مليون نسخه أثناء حياته) وتحولت إلى مسلسل تلفزيوني مبني على القصة وكتاب قصص مصورة ولعبة كمبيوتر وأخيرا فيلم سينمائي اكتمل بعد وفاته.
(7) جيمس جويس
كان جيمس جويس عاطلا عن العمل لدرجه أنه لم يسعفه سوى صوته الرجولي الذي وفر له وظيفة مؤقتة كتينور Tenor في كورال أوبرالي قبل أن يصبح في نهاية المطاف مؤلفا. والتينور هو نوع من الأصوات الغنائية الرجالية، والذي يعتبر أعلى الأصوات الرجولية في المجال الوسطي. جيمس جويس (1882-1941) كاتب وشاعر أيرلندي وقد وصفت روايته «يوليسيز» (1922) التي قضى 7 سنوات في كتابتها وترجمت إلى العربية بعنوان «عوليس» بأنها «عرض كامل لحركة الحداثة» وتميزت بإتقان جويس فيها لحد الكمال تقريبا تقنية سيل الوعي أو تداعي الذاكرة. وضعته مجلة تايم عام 1999 ضمن أهم 100 شخصية في القرن العشرين لأنه «أحدث ثورة في فن كتابة الرواية». أصدر 3 روايات و3 دواوين شعر ومسرحية و3 كتب تحتوي على رسائله و6 كتب أدبية منوعة. وخضعت أعمال جويس لتدقيق شديد ودراسة من قبل كبار العلماء من جميع التخصصات لتقنيتها العالية. كما كان لها تأثير هام وكانت مصدر إلهام قوي لكتاب كبار مثل صمويل بيكيت، وخورخي لويس بورخيس، وجون أبدايك، وديفيد لودج، وجوزيف كامبل.
(8) روبرت فروست
حتى الشعراء الكبار مثل روبرت فروست - الحائز أربع مرات على جائزة بوليتزر للشعر - ينبغي أن يبدأ في مكان ما. وفي حالة فروست عمل في مصنع في ولاية ماساشوستس كفني كهرباء حيث كان متخصصا في تغيير المصابيح (اللمبات) المحترقة. روبرت فروست (1874 - 1963) شاعر أمريكي يعتبر في نظر الكثيرين كواحد من أهم الشعراء باللغة الإنكليزية في القرن العشرين. إذ حاز خلال حياته أربع جوائز بوليتزر وهي أرفع جائزة أدبية أمريكية حيث تلقب بنوبل أمريكا. لم يكمل تعليمه الجامعي. يعرف فروست بأسلوبه البسيط والمباشر وبأوصافه المثيرة للمشاعر لمناظر منطقة نيو إنغلند الخلابة شمال شرق الولايات المتحدة. كتب 136 قصيدة صدرت في 31 ديوان، وصدر له 4 مسرحيات، و7 كتب أدبية منوعة (رسائل وحوارات ونقد ...إلخ).
(9) هاربر لي
بينما كانت تعمل كبائعة تذاكر لخطوط إيسترن الجوية الأمريكية، كانت مشاكل السيدة هاربر لي المالية سيئة للغاية لدرجة أن العالم بأكمله تقريبا لم يستطع «أن يقتل عصفوراً محاكياً». ولحسن الحظ منحها صديقها المؤلف المسرحي في برودواي مايكل براون مارتن رواتبها لمدة سنة مقابل التفرغ الكامل للكتابة ما نتج عنها روايتها الشهيرة «أن تقتل عصفوراً محاكياً». نيلي هاربر لي مؤلفة أمريكية معاصرة ولدت عام 1926 واشتهرت بروايتها الرائعة «أن تقتل عصفوراً محاكياً» To Kill a Mockingbird التي فازت بجائزة بوليتزر عام 1960 وأصبحت من الراويات الكلاسيكية المقررة في المدارس والجامعات العالمية. وهي رواية تتناول قضايا التفرقة العنصرية ضد السود التي عايشتها المؤلفة في الجنوب الأمريكي في مسقط رأسها بولاية ألباما. نالت هاربر لي عام 2007 الميدالية الرئاسية للحرية عن مجمل مسيرتها الأدبية ولكنها رفضت دائما إلقاء الخطب في المناسبات التي تشارك فيها.
(10) وليام فولكنر
قد يكون رسب وانسحب Dropped Out من جامعة ولاية ميس يسيبي، ولكن ذلك لم يجعل مؤلف رواية «الصخب والعنف» ويليام فولكنر يتسكع. حقا لقد اضطر للعمل كمرسول بريد لمدة ثلاث سنوات في مدرسته الثانوية القديمة. ويليام كتبيرت فوكنر (1897 - 1962) روائي وشاعر أمريكي وأحد أكثر الكتاب الأمريكان تأثيراً في القرن العشرين. حصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1949 نظير «مساهمته القوية والفريدة في تطوير الأدب الأمريكي الحديث»، كما نال جائزة بوليتزر الأمريكية الرفيعة مرتين عن اثنتين من رواياته (عامي: 1954، و1962). احتلت روايته «الصخب والعنف» المركز السادس في قائمة أفضل 100 رواية في القرن العشرين وشملت القائمة روايتين أخريين له. أصدر 19 رواية، وكتب 125 قصة قصيرة، ومسرحية وحيدة، و6 دواوين شعرية، وكتب 20 سيناريو لأفلام سينمائية.
انتهى
نقلا عن مصادر عديدة منها: «هافينغتون بوست»، و«لوس أنجليس تايمز»، و«صالون دوت كوم» و«غاديان»، و«ويكيبيديا» وغيرها.
ـــــــــــــــــــ
المصدر : الجزيرة الثقافية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق