الخميس، 15 سبتمبر 2016

مقتطف من الفصل التاسع – رواية المسلخ رقم 5

للروائي الأمريكي كورت فونيغوت
 ترجمة: يونس بن عمارة



وإليكم إحدى الأمور التي تحدث في نهاية الحروب: 
أي شخص يريد أن يحصل على سلاح سيجد واحدا. فقد كانت الأسلحة ملقاة وموجودة في كل مكان. 
حصل بيلي أيضا على سيف، وكان سيفا شرفيا للقوات الجوية الألمانية. 
كان مقبضه مزينا بزخرفة نسر يصرخ، وكان النسر يحمل رمز الصليب المعقوف وينظر إلى الأسفل، وقد وجده بيلي عالقا على عمود هاتف، فسحبه من هناك حين مرت العربة بجانبه.
لكن غفوته هذه قد أصبحت أخف لاستماعه لرجل وامرأة يتحدثان الألمانية بنغمة تثير الأسى. كان المتحدثان يتحدثان لبعضهما بشكل يثير العطف والأسى وقبل أن يفتح بيلي عينيه بدا له أن هذه النغمة في الحديث قد تشابه تلك التي تحدث بها أصدقاء المسيح حين أنزلوا جسده المتهالك من على الصليب. 
فتح بيلي عينيه و كان هناك رجل كهل وزوجته، كانا يدمدمان قرب الخيول، وقد لاحظا ما لم يلاحظه الأمريكيون، وهو أن أفواه الخيول كانت تنزف من أثر العض الشديد عليها، لأن حوافرهم كانت قد كسرت وبالتالي فقد كانت كل خطوة تحمل ألما عظيما. وكانت الخيول تعاني من العطش الشديد، فقد استخدمها الأمريكيون للنقل وكأنهم يستخدمون سيارة شيفروليه ذات ست اسطوانات لا تحس ولا تتألم. 
تحرك الرجل والمرأة على طول العربة إلى الخلف، أين كانا يحدقان فيها مقتربين من بيلي. كان بيلي بيلغريم مستيقظا منذ مدة في هيئته السخيفة، سترته الزرقاء وحذائه الفضي اللون، و لم يثر خوفهما. لم يكونا يخافان من أي شيء. كانا طبيبين، وكلاهما في قسم التوليد، وحتى لحظة القصف كانا لا يزال يولدّان النساء إلى أن هُدم المستشفى تماما. والآن ها هما يتسكعان في هذا المكان الذي كانت فيه شقتهما من قبل. 
كانت المرأة جميلة، لكنها شاحبة لأنها كانت تتغذى على البطاطس لفترة طويلة، وكان الرجل يرتدي بذلة رجل أعمال وربطة عنق وما إلى ذلك و قد جعلته البطاطس هزيلا أيضاً. 
كان طويلا بقدر طول بيلي تقريبا، ويرتدي نظارة ثلاثية الطبقات إطارها من حديد. هذين الزوجين، اللذين عملا طيلة حياتهما في توليد الأطفال، لم ينجبا قط، على الرغم من أنهما يستطيعان، وكان هذا مجرد قلق نفسي مثير حول فكرة الانجاب برّمتها. 
كانا يتقنان مع بعضهما تسع لغات. في الأول جربا البولندية مع بيلي بيلغريم نظرا للباسه التهريجي ونظرا إلى أن البولنديين البؤساء كانوا مهرجين خارج إرادتهم في الحرب العالمية الثانية، سألهم بيلي بالانجليزية ماذا يريدان؟ ومباشرة ودفعة واحدة وبخّاه بالانجليزية حول حالة الخيول، وجعلاه يخرج من العربة وينظر إلى الخيول، و حين رأى بيلي حالتها أجهش بالبكاء. لم يبكي بيلي من قبل على أي شيء في الحرب. 
وفي وقت لاحق، وكأخصائي بصريات كهل، كان بيلي يبكي بصمت وخفية أحيانا لكنه لم يكن يصرخ أو ينشج في بكائه ولم يكن يحدث أي ضجة. و لهذا جاء اقتباس هذا الكتاب من أبيات ترنيمة عيد الميلاد المشهورة. كان بيلي يبكي قليلا حتى و لو رأى أشياء تستحق البكاء فعلا. وفي هذا الأمر- على الأقل - كان يشبه ترنيمة عيد الميلاد: 
نسمعُ خوار الماشية 
الطفل يستيقظ. 
لكن السيد المسيح الصغير.
لا يبكي بعد الآن. 
سافر بيلي عبر الزمن عائدا إلى المستشفى بيفرمونت، كان الفطور قد انتهى للتو وبدا أن البروفسور رامفورد قد أصبح مهتما، و لو على مضض، ببيلي ككائن بشري حي. 
سأل رامفورد بيلي بفظاظة مقنعا نفسه أن بيلي كان فعلا في درسدن: كيف بدا الأمر؟. 
فأخبره بيلي عن الخيول والزوجين اللذان كانا يتنزهان على القمر. 
وانتهت قصة الخيول كالآتي: فك بيلي والطبيبين لجام الخيول لكنها لم تستطع أن تذهب إلى أي مكان لأن حوافرها قد تضررت بشدة وكانت تؤلمها جدا. ومن ثم داهمهم الروس على الدراجات النارية واعتقلوا الجميع ما عدا الخيول. 
وبعد هذا بيومين، أُعيد بيلي إلى الأمريكيين حيث نُقل عبر البحر إلى الوطن. كانت سفينة شحن بطيئة جدا تدعى لوكريسيا، بالتحديد ايه.موت. لوكريسيا، وكانت إيه.موت امرأة ناشطة في حقوق النساء ماتت منذ زمن.. 
- كان أمرا مقضيا. قال رامفورد لبيلي معلقا على دمار درسدن. 
- أعلم. 
- هذه هي الحرب.

ـــــــــــــــــ
(*) الرواية ستنشر بدار كلمات الكويتية للنشر والتوزيع، وستكون موجودة بمعرض الشارقة 2016.
(*) نشر حصري للمدونة ، شكر خاص للمترجم والمبدع يونس بن عمارة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق